الميدان والسياسة
وفقدت المعارضة المسلحة الأمل بالتدخل الغربي بعد التقدم الكبير لقوات النظام في مواقعها بالغوطة وتقسيمها إلى ثلاث مناطق وما صاحب ذلك من تقارير أفادت باستعماله غاز الكلور والنابالم والقوة النارية العمياء، التي أدت إلى مقتل أكثر من 1150 مدنيا بينهم 240 طفلا خلال ثلاثة أسابيع من المعركة.
وترى المعارضة أن إدارة ترمب لم تكن بالحزم الكافي تجاه “جرائم روسيا والأسد”، وأن ردود أفعالها أشبه بما يصدر عن النشطاء الحقوقيين من خطاب الإدانة والشجب. وبحكم تطور الوقائع الميدانية لفائدة النظام تعول المعارضة على هجمات غربية تكبح تقدم قوات النظام وحلفائها.
ورغم التردد الأميركي فإن خيار استعمال القوة ضد النظام يبقى قائما. وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيسدونالد ترمب طلب تفاصيل “بشأن الخيارات التي يمكن استخدامها لمعاقبة بشار الأسد”، بعد أخبار تفيد باستخدامه أسلحة كيميائية في الغوطة.
وتدعم كل من لندن وباريس خيار التحرك العسكري “الفوري” ضد دمشق إذا ظهر دليل على استخدامه أسلحة كيميائية، وتوعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام السوري بتوجيه ضربات عسكرية ضده إذا ثبت استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
ويرى محللون أن إقدام واشنطن على هذه الخطوة العسكرية يعني فتح المعركة على مصراعيها مع الروس في سوريا والوصول إلى مرحلة الصدام العسكري، خصوصا بعد التهديد الروسي المبطن في خطاب بوتين، واعتبار المنطقة ضمن النفوذ الروسي في الوقت الذي استأثرت فيه واشنطن بالشرق السوري ومناطق بالجنوب ضمن تقسيمات ضمنية.
ويرى معارضون أن الولايات المتحدة لم تكن لتتردد بهذا القدر في التدخل لولا محاذير كثيرة، خاصة أن ترمب أمر في أبريل/نيسان الماضي بإطلاق صواريخ كروز على قاعدة الشعيرات في حمص بعد أنباء هجوم للنظام بـغاز السارين علىخان شيخون بريف إدلب.
وتدرك واشنطن أن “سقوط الغوطة” يعني انتصارا للنظام وروسيا على الصعيد العسكري والسياسي، لذلك تكثف ضغوطها بالتدخل العسكري من أجل الوصول إلى قرار دولي يحفظ على الأقل الوضع الميداني الحالي عبر قرار جديدلوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يوما، “ولا يتضمن ثغرات متعلقة بمكافحة الإرهاب تسمح للرئيس السوري بشار الأسدوإيران والروس بالتذرع بها”.
وضمن قرار الهدنة الذي أقره مجلس الأمن في 24 فبراير/شباط بموافقة روسية، استثمرت موسكو بند محاربة الإرهاب في تحقيق اختراقات عسكرية في الغوطة الشرقية وحققت تقدما واسعا في مناطق المعارضة المسلحة في الغوطة.
وقالت مصادر من المعارضة في درعا إن المقاتلين يستعدون لتنفيذ عملية ضد قوات النظام “للتخفيف عن الفصائل في الغوطة دون أن تعلن ساعة الصفر بعد، فيما استبق النظام هذا التحرك ونفذ ضربات جوية ضد الفصائل في المنطقة الحدودية مع الأردن (بصرى الحرير والحراك والغارية الغربية والصورة) التي يشملها اتفاق لخفض التصعيد.
وكانت وكالة الأناضول التركية قد أفادت بوجود مؤشرات على تخطيط المعارضة لشن هجوم جديد كبير في محافظتي القنيطرة بدعم من الولايات المتحدة، مشيرة إلى زيادة الحضور الأميركي العسكري بالمنطقة في الأسابيع الأخيرة، وفق ما نقلته عن “مصادر موثوقة”.
من جهته ذكر موقع ميدل إيست مونيتور أن الولايات المتحدة نشرت أكثر من 200 عسكري إضافي في قاعدة التنف، وأضافت أن الخطوة اتخذت على خلفية انتشار قوات إيرانية في جنوب سوريا قرب الجولان المحتل، مع تسجيل أنشطة لحزب الله في مدينة البعث وبلدة خان أرنبة بمحافظة القنيطرة، على مقربة من مواقع للقوات الإسرائيلية.
وتشير هذه التحركات -كما يقول مراقبون- إلى أن واشنطن لن تسلم بانتصار “سوري-روسي وإيراني” كامل في الغوطة الشرقية، وتسعى إلى تحويله إلى هزيمة في جبهات أخرى، ضمن صراع المحاور المحتدم في المنطقة من دون مجازفات بحصول احتكاك عنيف مع الروس.
عذراً التعليقات مغلقة