سليمان طه – حرية برس:
كما أن لكل شهيد قصة، علمتنا الثورة السورية أن لأم الشهيد قصصاً تعكس الثبات والتضحية المنقطعة النظير، وهذا ما تجلى في تسمية العديد من السوريات بـ ” الخنساء”.
”أم محمد” خنساء من سوريا، ولدت من عائلة فقيرة، تعمل في مجال الزراعة، في مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي، كانت تتألف عائلتها من زوجها وسبعة شبان وفتاة متزوجة. وما أن اندلعت الثورة السورية، ضد نظام الأسد، شارك أبنائها الـ7 في الحراك السلمي والمظاهرات السلمية، وعندما اقتحمت قوات الأسد مدينة تلبيسة، زاد نشاط أبنائها الثوري من خلال المشاركة في العديد من الفعاليات الثورية التي كانت على عاتق الشباب الثائر ضد نظام الأسد.
كان الاجتياح الأول لمدينة تلبيسة يوماً عصيباً بالنسبة ل “أم محمد“، التي اجتاحها الخوف على أولادها، في الوقت الذي كان الجميع فيه يعلم آنذاك ما هو مصير من يطالب بالحرية وإسقاط النظام وإقامة العدالة والمساواة بين أطياف الشعب. كانت الأم في حيرة من أمرها ماذا ستقول؟ كيف تحمي أبناءها من الملاحقة من قبل نظام الإجرام الأسدي؟ وبعد تفكير طويل وعندما اقتحم عناصر الأمن منزلها، قالت بما وصفته “لا شعورياً”، “جميع أولادي خارج البلاد ولا يوجد منهم أحد هنا إلا ابني الصغير”، وبذلك استطاعت أن تنقذهم من مصير أسود.
كان زوجها ”ابو محمد” يعمل في محل بجانب منزله، وبعد الاقتحام البري الذي نفذته قوات الأسد مع بداية الثورة في مدينة تلبيسة شمال حمص، ذهب أبو محمد من أجل شراء بعض البضائع. لم تعلم أم محمد أن ذلك كان اليوم كان يوم اللقاء الأخير عقب خمسة أيام من اجتياح المدينة.
سمعت “ ام محمد “، دوي الانفجار عند قيام إحدى الدبابات بقصف المكان الذي كان يتجمع به بعض المدنيين، بالقرب من تجمع المحال التجارية. كان صوت الانفجار كفيلاً بإثارة الفزع في قلب أم محمد دون أن تدري أن المصاب كان مصابها، وأن شظايا هذه القذيفة توزعت في جسد زوجها.
لم تنته هواجس الخوف إلا بعد تلقي الخبر باستشهاد زوجها، وهنا بدأت آثار الصدمة التي أدت إلى فقدانها للوعي، وانتهت بتوسلها “بدي أشوفو”. حتى وداع الشهيد كان أمراً ليس بالسهل، فقد استغرق نقل جثمان الشهيد ساعتين في ظل استهداف قوات الأسد لكل شيء يتحرك. ودعت أم محمد شهيدها الأول بقبلة على جبينه ودعاء “الله يتقبلك من الشهداء”.
وبعد تحرير مدينة تلبيسة بما يقارب العامين، كان هناك حملة تصعيد بقصف مدفعي وصاروخي مكثف يستهدف تجمعات المدنيين. فكان “أحمد” أحد أولاد أم محمد في الصفوف الأولى مع الثوار. إلا أن الموت باغت أحمد الذي يتقن الرمي على الدبابة، بانفجار لقذيفة داخل الدبابة.
تكرر مشهد الوداع، لكان بفاجعة أكبر على ابنها الذي لم يتجاوز عمر ابنته العام الواحد. ودعته بقبلاتها ووصية “سلم على أبوك.. الحمدلله الذي رزقك الشهادة”.
وبعد أربعة شهور أثناء تحرير قرية أم شرشوح، شمال حمص، وفي المرحلة الأخيرة من المعركة، أصيب ابنها خالد في يده أثناء الاشتباكات بين قوات الأسد وكتائب الثوار، لتكون ” أم محمد” مع المزيد من جرعات الألم التي تصيبها لحال أبنائها.
قالت له “ما عاد بدي ياك تروح على محل خليك حتى تشفى إصابتك”،
لكن الابن المصاب عاد إلى أرض المعركة في “أم شرشوح” بعد ساعات قليلة، من أجل الاستمرار تحريرها بالكامل في الخطوط الثانية من الاقتحام. إلا أن طلقة إحدى الرشاشات الحاقدة أصابته في رأسه، وأدت إلى استشهاده.
كان شهيدها الثالث وفاجعتها الثالثة، إلا أنها ظلت صابرة وكررت مشاهد الوداع السابقة قائلة: “سلم على أبوك وأخوك”.
أم محمد واحدة من خنساوات سوريا الصابرات على ابتلائهن وفقدان أبنائهن في سبيل نيل الحرية وتحرير البلاد من نظام الطاغية. أم محمد وغيرها من الأمهات السوريات كن ومازلن أحد أعمدة الثورة السورية بهذه الروح العنيدة التي تأبى الخنوع ولا يكسرها حتى الموت .
عذراً التعليقات مغلقة