محمود أبو المجد – حرية برس:
منذ بداية الثورة وحتى اليوم يقدم شعبنا أبطالاً من أبنائه قرابين للحرية، وتظهر الثورة للسوريين والعالم وجوهاً لمعت أسماؤها نظراً للدور الفعال الذي لعبوه في مسيرة الثورة، سواء في تنظيم المظاهرات وتحريك الشارع ضد طاغية دمشق، أم في عملهم الإنساني والإعلامي، حتى باتوا رموزاً لدى السوريين الأحرار، وأبطالاً تروى قصههم، وخاصة أولئك الثوار الأوائل الذين لم يخافوا على أنفسهم من بطش نظام الأسد في وقت كانت دورياته تدخل أي مكان تريد وتعتقل من تشاء.
حسين الحسين، اسم من هذه الأسماء، ارتبط اسمه بالمظاهرات التي لطالما قادها بصوته.
حسين، الشهيد الذي ولد في حي الوعر بحمص وعرفه الناس جيداً في بداية الثورة في المظاهرات منشداً للحرية والكرامة، كان يعتلي أكتاف الأحرار شامخاً كالصقور في قمم الجبال صوته يهدر كشلال غاضب، تبدو على وجهه صفات الثائر الحقيقي الذي لا تخيفه آلة القتل.
لطالما تنقل بين أحياء حمص وبالقرب من حواجز نظام الأسد ليصل إلى حيث يجتمع المتظاهرون، ويوصل رسالة الثورة بصوته، حتى غدا عندليب الثورة في حمص، وبات اسمه على كل لسان، مع ثلة من منشدي الثورة أمثال عبد الباسط الساروت والقاشوش في أيام الزمن الجميل.
عرفته مع بداية الثورة، وفي أحد الايام وتحديداً بتاريخ 27/1/2102 اتفقنا على تنظيم تظاهرة في بلدة الدار الكبيرة ولم أكن أعلم بأنها ستكون الاخيرة له في ريف حمص.
وبتاريخ 28/1/2012 وفي الصباح الباكر اتفقنا على اللقاء في حي الوعر بحمص وهنا بدأت الحكاية، حيث وفي وقت الموعد لم أجده في المنزل، وأجابني على الهاتف بأنه في منزل آخر لا يستطيع الخروج منه لوجود عناصر الأمن في المنطقة، ولكنه أكد لي بأنه سيخرج حتى لو كلفه ذلك حياته.
حالة الحصار الأمني لم تثنه يومها عن المغامرة للوصول الى بلدتي “الدار الكبيرة” عبر سلوك طريق خطرة وعلى مرأى عناصر الأمن في الحواجز، وكانت المخاطرة الأكبر عند وصولنا للنقطة الأصعب حيث كان عليه تجاوز منطقة مكشوفة عبر الأراضي الزراعية وبين حاجزين، وتجاوزها مع شابين اثنين.
وصل العندليب أخيراً، ومع وصوله بدت الفرحة على وجوه المتظاهرين الذين انتظروا لأكثر من ساعتين وصوله على أحر من الجمر.
نعم كانت آخر مظاهرة له في بلدة الدار الكبيرة وفي عموم ريف حمص الشمالي.
جلسنا سوية عقب المظاهرة وفي أثناء حديثنا قال لي: أحس بألم في خاصرتي ووضع يده بنفس المكان الذي أصيب به لاحقاً بطلقة الغدر والتي استشهد على إثرها، فهل أحسّ بموته الذي سارع إليه بعد أسبوع من هذه المظاهرة؟
بتاريخ 6/2/2012 أثناء استجلاب تعزيزات عسكرية لقوات نظام الأسد إلى حي بابا عمرو، لم يستطع حسين وأصدقاؤه تحمل فكرة الصمت على جرائم الأسد وقواته، كان عنفوانهم أكبر من أن يصمتوا على ضرب اخوتهم وهم يتفرجون، فخرج مع مجموعة من الشباب الثائرين لردع شبيحة النظام والدفاع عن أهلهم وجيرانهم في حي بابا عمرو، وكان أن اصيب بطلقة في خاصرته، ليترجل عندليب للثورة كان أيقونة في حمص كما ترجل قاشوش حماه.
“عالجنة رايحين شهداء بالملايين” كانت أنشودته المفضلة، كان يعلم أنه مشروع شهيد وأن جميع من باعوا الدنيا ليعيش أجيالنا بكرامة هم مشاريع شهداء، حتى يأذن الله لهم بالفوز بالشهادة.
يذهب رجل و يأتي رجال، وكما ولدت الثورة رجلاً كالبطل الثائر حسين، ستلد رجالاً آخرين.
مرت السنون ولا زالت كلمات حسين تصدح في شوارع وأزقة حمص الفارغة من أحرارها، مشتاقة لعودة أهلها لتزيينها بأهازيج النصر ولترقد روح حسين و زملائه على درب الحرية بسلام، فرحين بنصر الله.
النصر الذي حلموا به ورسموا له الطريق، وسار ويسير عليه من بعده الآلاف يصرخون بصوت واحد: “الشعب يريد إسقاط النظام”.
عذراً التعليقات مغلقة