البرلمان السوري الجديد.. امتحان للانتقال من حكم الفرد إلى دولة المؤسسات

رضوان الأطرش23 سبتمبر 2025آخر تحديث :
رضوان الأطرش

تشهد سوريا في الأيام القليلة المقبلة محطة مفصلية من تاريخها الحديث مع إجراء أوّل انتخابات تشريعية بعد سقوط حكم الأسد، الذي استمر أكثر من نصف قرن.

هذا الحدث يتجاوز كونه استحقاقاً انتخابياً عادياً، فهو يمثل -في جوهره- إعلان ولادة مرحلة جديدة، تنتقل فيها البلاد من حكم الفرد والحزب الواحد إلى بناء حياة سياسية تعددية قائمة على المؤسسات والمساءلة.

  • أهمية التجربة الانتخابية

الانتخابات التشريعية المقبلة تشكّل امتحاناً وطنياً لإرادة التغيير لدى السوريين، ولقدرتهم على تحويل التضحيات الكبيرة التي قدموها خلال العقود الماضية إلى مسار سياسي جديد.

فهي ليست مجرد صناديق اقتراع، بل تعبير عن عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن، نجاحها سيعيد الثقة المفقودة بين الناس ومؤسسات الحكم، ويؤكد أن زمن الاحتكار والاستبداد قد ولى، وأن السوريين قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم ضمن إطار القانون والدستور.

  • التحديات المطروحة

لكن هذه التجربة لا تخلو من تحديات كبرى، فالمجتمع السوري مثقل بجراح الحرب والانقسام، والبنية الإدارية للدولة تعاني من ضعف وهشاشة بعد عقود من الفساد والزبائنية.

كذلك، فإنّ القوى السياسية الناشئة لم تختبر بعد أدوات العمل البرلماني والتشريعي، مما يفرض على الأعضاء الجدد مسؤولية مضاعفة لبناء تقاليد برلمانية راسخة، أضف إلى ذلك الضغوط الإقليمية والدولية التي قد تحاول التأثير على مسار الحياة السياسية في البلاد.

  • المطلوب من البرلمان الجديد

يقع على عاتق المجلس القادم مهام مصيرية، أبرزها:

  1. إرساء التشريعات للمرحلة الانتقالية، عبر قوانين حديثة تحمي الحقوق الفردية والجماعية، وتؤسس لمواطنة متساوية بعيداً عن الطائفية أو الإقصاء.
  2. إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بحيث تقوم على الشفافية والعدالة والمساءلة، لا على الخوف والولاء الأعمى.
  3. رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية، عبر استجواب الوزراء ومحاسبة الحكومة، لضمان عدم تكرار نموذج الحكم المطلق.
  4. تبني قوانين للمصالحة الوطنية تعزز السلم الأهلي، وتضمن عودة المهجرين واللاجئين، وتعويض المتضررين.
  5. إطلاق مشاريع تشريعية لدعم إعادة الإعمار، ليس فقط عمرانياً، بل أيضاً مؤسسياً واقتصادياً، مع حماية الموارد الوطنية من النهب والاحتكار.
  6. فتح المجال أمام مشاركة الشباب والنساء في صنع القرار، بما يعكس تنوع المجتمع السوري وحيويته.

ولكي ينجح هذا البرلمان في أداء مهامه، يجب أن يتحلى أعضاؤه بصفات أساسية:

  1. النزاهة: لأن الفساد كان أحد أخطر أمراض الدولة السابقة.
  2. الاستقلالية: عن شبكات المصالح الداخلية والارتباطات الخارجية.
  3. الكفاءة: عبر امتلاك الخبرة القانونية والسياسية والاقتصادية.
  4. الروح الوطنية الجامعة: بما يتجاوز الانقسامات المناطقية أو الطائفية.
  5. الشجاعة السياسية: لمواجهة أي انحراف أو فساد داخل السلطة التنفيذية.
  6. التواصل الدائم مع الناس: ليبقوا ممثلين حقيقيين لهم، لا مجرد نخب معزولة.
  • دلالات المرحلة المقبلة

إن نجاح هذه الانتخابات وتبلور برلمان فاعل سيؤسس لمرحلة سياسية جديدة عنوانها: من دولة الفرد إلى دولة المؤسسات، وهذا التحول لن يكون سهلاً ولا سريعاً، لكنه ممكن إذا توافرت الإرادة الوطنية الصادقة، وإذا استطاع المجلس التشريعي أن يكون رافعة للحوار الوطني وبناء الثقة.

فالبرلمان القادم ليس مجرد هيئة تشريعية، بل هو أداة لإعادة صياغة الهوية الوطنية السورية على أساس المواطنة، ورافعة لإعادة بناء الدولة بعد عقود من التفكك والاستبداد.

ومن هنا، فإن أعين الداخل والخارج ستتجه إلى دمشق لتراقب كيف سيدير السوريون تجربتهم البرلمانية الأولى في عهد ما بعد الأسد.

وعليه فإنّ الانتخابات المقبلة إذن ليست غاية بحد ذاتها، بل بداية لمسار طويل من التحول السياسي والاجتماعي، فإمّا أن تكون مدخلاً لعقد اجتماعي جديد يعيد لسوريا وحدتها وكرامتها، أو أن تتحوّل إلى محطة شكلية تفقد الناس ثقتهم مرة أخرى.

الخيار اليوم بيد السوريين، وبيد ممثليهم الذين سيجلسون تحت قبة البرلمان ليحددوا إن كانت هذه البلاد ستخرج فعلاً من ظلام الاستبداد إلى نور الدولة العادلة.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل