
فتاة سحلول – حرية برس
في مدينةٍ تشتعل فيها حرارة الصيف، يغيب التيار الكهربائي لساعاتٍ طويلة، ولا تصل المياه إلى البيوت إلا نادرًا… هكذا تختنق حمص كل يوم، تحت وطأة صيفٍ قاسٍ، وظروفٍ حياتية لا تليق بالبشر.
رغم التطمينات الرسمية والوعود المتكررة بتحسين واقع الكهرباء والمياه، لا يزال الوضع يزداد سوءاً، خصوصًا في مدينة حمص، التي باتت رمزًا للتهميش والإهمال، وكأنها خرجت من حسابات الدولة وخططها.
الكهرباء، التي تُعدّ شريان الحياة في هذا الحر الخانق، لا تزور البيوت إلا ساعة واحدة كل خمس ساعات، تتخللها تقطعات مفاجئة تجعل تشغيل الأجهزة المنزلية ضربًا من المستحيل، أما المياه، فباتت تأتي “يومًا بيوم”، وإن جاءت، فهي بضغط منخفض لا يكفي لملء خزان، مما يدفع كثيرًا من السكان إلى تعبئة صهاريج مياه بأسعار باهظة ترهق ميزانياتهم المنهكة أصلًا.
“نشتري الماء كما نشتري الخبز.. وكأننا في صحراء”
في حي الوعر، تقول “أم خالد”، وهي أم لأربعة أطفال:”لم أعد أستطيع تبريد قنينة ماء لأولادي، الكهرباء لا تكفي حتى لتبريد البراد، نشتري الماء كما نشتري الخبز، وكأننا نعيش في صحراء، وليس في مدينة”.
وفي حي الخالدية، يروي “أبو عماد”، موظف حكومي:”حين تصلنا المياه، تكون ضعيفة لدرجة أننا لا نستطيع ملء الخزان.
نضطر لاستئجار صهريج بسعر 40 ألف ليرة، ومع الراتب لا يكفي شيء نحن ندفع لنعيش برغم من أنه يفوق طاقتنا”.
ويضيف “أبو نزار”، وهو ربّ أسرة من سكان حي الإنشاءات:”كثيرون يتحدثون عن الطاقة الشمسية وكأنها الحل السحري، لكنها ليست في متناول الجميع تركيب منظومة طاقة لتشغيل المولد أو البراد بات ترفاً لا يقدر عليه معظم الناس لا نطلب الكثير، فقط نريد شربة ماء باردة في هذا الحر القاتل، فهل هذا كثير؟”
وتبلغ تكلفة منظومة الطاقة الشمسية المنزلية في الوقت الراهن ما بين 15 إلى 20 مليون ليرة سورية، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم العائلات المتوسطة أو الفقيرة، خاصة في ظل تدني الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة.
هل هذه بلادٌ يمكن العودة إليها؟
هذا الواقع المظلم يدفع كثيرًا من السوريين إلى التمسك بخيار الهجرة، أو البقاء في بلاد اللجوء، رغم كل ما فيها من صعوبات إذ كيف يمكن لإنسان أن يعود ليعيش في مدينة لا تُوفّر له ماءً أو تيارًا كهربائيًا مستقراً؟ كيف يعود ليضع أبناءه تحت شمسٍ بلا ظل، وفي بيتٍ لا يضيئه إلا الليد ؟
سؤال أخير… من سيحاسب من جعل من العتمة والعطش واقعًا يوميًا؟