شهدت سوريا على مدار العقود الماضية سلسلة من الأحداث التي جعلتها محوراً للصراعات الإقليمية والدولية، ومع كل هذه التحولات، يبقى أحد أكثر التساؤلات إثارة للجدل: هل دعم النظام السوري البائد يمكن أن يُعتبر مجرد موقف سياسي؟ أم أنه يعكس انحرافاً أخلاقياً في التقييم الإنساني لما حدث في سوريا؟
النظام البائد: حكم العصابة لا الدولة
لم يكن نظام الأسد على مدار 54 عاماً يمثل كياناً سياسياً طبيعياً يدير الدولة ضمن أطر الشرعية والقانون، بل كان نظاماً قمعياً استند إلى ترهيب السوريين، واغتيال الحريات، وخلق آلة قمع تدير البلاد كأنها ملكية خاصة. تجسدت هذه العقلية في سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الحياة، بحيث بات المواطن السوري يعيش في ظل مراقبة دائمة وقمع ممنهج.
كانت سنوات حكم هذا النظام مليئة بالمجازر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من السوريين، بدءاً من مجزرة حماة في الثمانينيات، وصولاً إلى الجرائم التي ارتُكبت منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، هذه الجرائم لم تكن مجرد “أخطاء سياسية”، بل كانت جزءاً من استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على بقاء النظام على حساب أرواح وكرامة شعبه.
دعم النظام: موقف سياسي أم أخلاقي؟
هناك من يرى أن دعم أي نظام سياسي هو حق مكفول في إطار التعددية السياسية، ولكن، هل يمكن اعتبار الوقوف مع نظام مارس القتل الممنهج والتدمير الشامل مجرد “رأي سياسي”؟ الإجابة ببساطة هي لا. عندما يتحول النظام إلى أداة إبادة جماعية وسحق لإنسانية شعبه، فإن دعمه يتجاوز كونه خياراً سياسياً ليصبح انحرافاً أخلاقياً يعكس تبريراً للظلم.
فلا يمكن فصل السياسة عن الأخلاق عندما يتعلّق الأمر بالجرائم ضد الإنسانية. الدفاع عن النظام السوري يعني ضمنياً قبول هذه الجرائم أو على الأقل تجاهلها، وهو ما يمثل أزمة ضمير قبل أن يكون موقفًا سياسيًا.
المعارضة والنظام: ليسا وجهين لعملة واحدة
يرى البعض أن الصراع في سوريا هو بين طرفين سياسيين: النظام والمعارضة، وكأنهما متساويان في الممارسات والمسؤوليات، لكن هذا التوصيف يتجاهل حقيقة أساسية؛ النظام ليس طرفاً سياسياً شرعياً، بل عصابة تحكم البلاد بالقوة والإرهاب، أما المعارضة، رغم كل العيوب والانقسامات، فهي نتاج طبيعي لثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة.
تشبيه النظام البائد بأي طرف سياسي معارض هو محاولة لتبييض جرائمه ووضع الضحية والجاني على قدم المساواة، وهو مغالطة أخلاقية وسياسية في آنٍ واحد.
لماذا الموقف من النظام مسألة شرف؟
إن الموقف من نظام الأسد لا يتعلق فقط بالسياسة، بل يرتبط مباشرة بالقيم الإنسانية الأساسية. دعم نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية هو تواطؤ ضمني في هذه الجرائم، ولذلك، من الطبيعي أن يرفض كثيرون إقامة أي حوار أو علاقة مع من يبررون هذه الجرائم، لأن ذلك يعني خيانة للضحايا وللقيم الإنسانية جمعاء.
في النهاية، لا يمكن لأي تبرير سياسي أن يمحو حقيقة أن نظام حزب البعث العربي الاشتراكي دمّر حياة ملايين السوريين وشردهم وقتلهم، فالوقوف مع هذا النظام ليس خياراً سياسياً، بل انحيازاً إلى الظلم والطغيان، وهو ما يجعل رفضه واجباً أخلاقياً قبل أن يكون موقفاً سياسياً.