مقطوعة موسيقية للبيانو والأوركسترا ألّفها مالك جندلي عام 2012، وقام بتسجيلها في موسكو عام 2013 مع الأوركسترا الروسية الفيلهارمونية بقيادة المايسترو سيرجي كوندراشيف. وإلى جانب النسخة الأصلية الموسيقية البحتة من هذه المقطوعة أعدّ جندلي نسخة أخرى، ضم إليها الصوت البشري وغناء الكورال الذي يشارك بتدخلات قصيرة مقتضبة مردداً عبارة «يا الله مالنا غيرك يا الله»، وقد تم تسجيل هذه النسخة مع كورال أوبرا القاهرة، وهي النسخة التي نسمعها في الفيديو المصور للمقطوعة، بالإضافة إلى الأصوات الحية للشعب السوري عندما كان يردد هذا الهتاف بأعلى صوت خلال ثورته السلمية.
«يا الله مالنا غيرك يا الله» شعار من أشهر شعارات الثورة السورية، أنتجته قريحة الشعب السوري والشعور الجمعي بالخذلان، ذلك النداء الذي يناجي الله سبحانه وتعالى، ويلجأ إليه بإيمان صادق يعبر عن الشعور المؤلم بالخذلان الذي تعرض له الشعب السوري من الجميع تقريباً، وتخلي المجتمع الدولي، وغض طرف العالم عن المجازر الرهيبة والإبادة الجماعية والأعداد الهائلة من الضحايا والمعتقلين والمختفين قسرياً، والمهجرين في مخيمات اللجوء ومختلف دول العالم.
استقر هذا النداء في وجدان الموسيقار مالك جندلي وأثمر عملا موسيقيا يخلد تلك الصيحة المهيبة بلغة الموسيقى السيمفونية، استمع مالك جندلي إلى صوت الشعب السوري وهو يردد هذا النداء بأذن الموسيقار، كما استمع إليه بأذن المواطن السوري، الذي يعاني الألم وتجرحه في العمق مأساة الوطن، وجد جندلي في هذا النداء الجماعي الشعبي الذي يستمد العون والقوة من الله وحده ما يعبر عنه كمواطن سوري، ووجد فيه كذلك ما يحوز إعجابه ويلامس إبداعه كفنان وموسيقار ومؤلف موسيقي.
انتقل شعار «يا الله مالنا غيرك يا الله» من حناجر الشعب السوري التي كانت تردده عالياً في ساحات وميادين الثورة السورية إلى عالم الموسيقى السيمفونية، حيث وظف مالك جندلي لحن الشعار وموسيقاه الناتجة عن طريقة إلقائه وإيقاعه الذي صنعه أسلوب الغناء والتنغيم الصادر عن جموع الشعب السوري في مقطوعته المؤلفة للبيانو والأوركسترا، التي أطلقها بعنوان «يا الله».
تبدأ المقطوعة بتقديم موسيقي قصير تعزفه الوتريات، تمهيداً لظهور اللحن الرئيسي وموضوع المقطوعة «يا الله»، يشعر السامع عندما يصغي إلى مستهل المقطوعة وذلك التقديم التمهيدي بأن الموسيقى تأتي من كل اتجاه وتلتقي عند نقطة معينة وتتجمع وتتصاعد، كما لو أن الجموع تأتي من كل مكان وتحتشد وتهتف وتردد ذلك الشعار، أو تلك الصيحة المهيبة التي تقشعر لها الأبدان، وتأسى القلوب وتألم النفوس عند سماعها، صيحة الشعب السوري الأعزل الذي يلجأ إلى الله وحده بعد أن ذاق مرارة خذلان البشر والأمم والدول.
يقول مالك جندلي، إن الثوار أثناء احتجاجاتهم السلمية من أجل الحرية والكرامة كانوا يغنون معاً في ساحات وميادين الثورة، واعتادوا أن يصفقوا بأيديهم ويرفعونها عالياً لإثبات أنهم ليسوا مسلحين أمام العالم أجمع، ولتفادي أن يتم قتلهم بواسطة قناصة النظام وجنوده الذين كانوا ينتشرون فوق سطوح المباني، ويقول جندلي أيضاً إنه استخدم في مقطوعته تقنيات بوليفونية للتأكيد على وحدة وتناغم الشعب في نضاله من أجل حقوق الإنسان والحرية والكرامة. مع التحام الوتريات والنحاسيات تتردد ثيمة يا الله بصوت آلات مختلفة، ثم نستمع إلى ضربات إيقاعية تمهد لدخول البيانو الذي يعزف ثيمة يا الله بتلوين أكثر شجناً يمس شغاف القلوب، ثم يتفرق اللحن ويذهب نحو تنويعات أخرى.
النسخة الأصلية من هذه المقطوعة هي النسخة الأطول وهي موسيقية بحتة، بينما النسخة الممتزجة بصوت الكورال أقصر زمنياً، وفيها نستمع إلى الدخول الموسيقي الذي يؤدي إلى ذروة سريعة، ثم صوت الكورال الذي يغني «يا الله مالنا غيرك يا الله» لمرة واحدة، ثم نسمعها مرة أخرى بصوت نسائي منفرد في طبقة صوتية عالية إلى حد ما، ثم صوت نسائي آخر منفرد في طبقة صوتية أخفض. تستمر الموسيقى مع تردد للثيمة الرئيسية من حين إلى آخر بتنويعات مختلفة إلى أن تأتي الضربات المعلنة عن دخول البيانو.
يعزف البيانو الثيمة الرئيسية مرتين وينطلق في تعبيراته الخاصة فيعزف مطلع الثيمة ويضيف إليها شيئاً آخر وهكذا، ثم نستمع إلى انفرادات أكثر تأملاً للبيانو، ويدخل الكورال مرة أخرى ليردد «يا الله يا الله» بأداء أكثر أوبرالية وبتصاعد صوتي واضح، تتصاعد الموسيقى بالنحاسيات والضربات الإيقاعية القوية والامتدادات النغمية، ليكون الختام مع صوت الكورال الذي يغني «يا الله مالنا غيرك يا الله» بأداء أوبرالي أكثر بطئاً من ذي قبل.
تم تصوير هذه المقطوعة الموسيقية في فيديو أطلقه مالك جندلي عام 2013، وفيه ظهور متفرق للموسيقار وهو يقوم بالعزف على البيانو مع لقطات توثيقية ومشاهد من الثورة السورية وأصوات حية مختلفة، سواء كانت نفوسا تصارع الموت في بداية الفيديو، أو أصوات الثوار الحقيقية وهتافاتهم في ساحات وميادين الثورة. خراب يخيم ويلقي ظلاله الثقيلة القاتمة على كل مكان، مآذن تتهدم وتسقط، كنائس تحترق، رجل يصعد إلى أعلى ساري حاملاً علم الثورة السورية، مشاهد من ساحات الثورة مع الصوت الحي للثوار وهو يرددون «يا الله مالنا غيرك يا الله.. يا الله عجل نصرك يا الله.. يا الله شعب أعزل يا الله»، ليعود بعدها البيانو كما لو أنه يردد وراء الثوار ويدخل الكورال في ظهوره الصوتي الأخير.
في هذه المقطوعة الموسيقية ذهب مالك جندلي إلى عمق الثورة السورية والتحمت أنغامه بصوت الشعب السوري ورددت نداءاته بلغتها الخاصة، وهكذا لم تنفصل موسيقاه السيمفونية عن نبض الشارع وآلام الناس ومأساة الوطن ولم يعزلها بعد جغرافي مكاني، حفظ جندلي هتاف يا الله الذي يعد من أشهر هتافات الثورة السورية، ووثق فنياً على نحو رائع ذلك الصوت الذي تردد بقوة في ساحات وميادين الثورة السرية، حيث الإيمان بالله والاعتصام به وسط الأهوال العاتية الشديدة وصدق الالتجاء إليه سبحانه وتعالى.
قدم مالك جندلي هذا الصوت وهذا النداء إلى العالم، من خلال موسيقاه السيمفونية الرفيعة وقام بتوظيفه في مقطوعته أحسن توظيف، فيشعر السامع أن الهتاف جاء ملائماً للغاية ومتوافقاً مع لغة الموسيقى السيمفونية، وكذلك أداء الكورال الأوبرالي، وإلى جانب الرسالة الوطنية البليغة نجد في ثنايا هذا العمل الموسيقي متعة فنية راقية تخاطب عشاق الموسيقى والحرية حول العالم.