موت حسن نصرالله… وقيامة لبنان

خيرالله خيرالله30 سبتمبر 2024آخر تحديث :
موت حسن نصرالله… وقيامة لبنان

دفع حسن نصرالله ومعه “حزب الله” ثمن ربط مصير لبنان بحرب غزّة عن طريق فتح جبهة جنوب لبنان مع إسرائيل. لم يستوعب نصرالله معنى الإقدام على مثل هذه الخطوة التي أدت إلى جعل ما يزيد على سبعين ألف إسرائيلي ينزحون من مستوطنات في الجليل.

كان قرار فتح جبهة الجنوب في غاية الخطورة والأهمّية على الصعيد الإقليمي. وضع إسرائيل في أزمة وجودية من جهة وأمّن شبه إجماع إسرائيلي على أنّ حرب لبنان باتت أهمّ بكثير من حرب غزّة من جهة أخرى. في ضوء حرب لبنان تبدو حرب غزّة، التي أطلق منها يحيى السنوار “طوفان الأقصى” الذي سيغيّر المنطقة كلها، أقرب إلى حرب منسيّة.

المفارقة أنّه كان مسموحا لحسن نصرالله والحزب بارتكاب كلّ الجرائم المطلوب منه ارتكابها، بما في ذلك جريمة إلغاء لبنان من الوجود وتحويله إلى رهينة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. أكثر من ذلك، كان مسموحا للأمين العام للحزب وآلة القتل التي يمتلكها بقتل كلّ من يقف في وجههما. باختصار شديد، كان مسموحا لهما بكلّ الانتصارات ما دامت هذه الانتصارات على لبنان واللبنانيين وسوريا والسوريين والعراق والعراقيين واليمن واليمنيين.

منذ اليوم الأوّل لقيام النظام الإيراني الحالي (الجمهوريّة الإسلاميّة) في العام 1979، كان الهمّ الأوّل لهذا النظام الدفاع عن وجوده. لم يتغيّر شيء في السنة 2024

لدى التطرّق إلى ما قام به الحزب ونصرالله، يمكن الحديث عن الدماء السورية التي نزفت عندما انضم “حزب الله” ابتداء من أواخر العام 2011 إلى الحرب التي يشنّها النظام الأقلوي، الذي على رأسه بشار الأسد، على الشعب السوري. يمكن التحدث أيضا عن الدور الذي لعبه الحزب في إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا، لغير مصلحة الأكثريّة السنّية.

إلى ذلك كلّه، يمكن التطرّق إلى الدور الذي لعبه الحزب في العراق دعما للميليشيات المذهبية التي تحكم هذا البلد العربي المهمّ خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني بأبعاده الخطيرة التي تلتقي في أماكن معيّنة مع المشروع الإسرائيلي.

لا يمكن تجاهل الدور الإقليمي لـ“حزب الله” الذي لعب بشكل مباشر دورا كبيرا، بل محوريا، في جعل الحوثيين يسيطرون على جزء من اليمن وتحويله إلى موطئ قدم لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” في شبه الجزيرة العربيّة.

كان حسن نصرالله والمحيطون به، قبل الاصطدام بإسرائيل، جزءا لا يتجزّأ من مشروع كبير تقف وراءه إيران نجح في تفكيك دول عربيّة عدّة وشكّل في مرحلة معيّنة تهديدا لدول الخليج العربي والأردن عن طريق تهريب المخدرات (الكبتاغون) والسلاح… وإطلاق صواريخ ومسيّرات من اليمن. في أساس ذلك كلّه، كانت السيطرة على لبنان ومرافقه، من مطار وموانئ، وحدوده البرّية والبحريّة وصولا إلى مصادرة قرار الحرب والسلم وجعل رئيس الجمهورية، كما حصل في عهد ميشال عون – جبران باسيل (2016 – 2022)، في إمرة “الحرس الثوري” الإيراني…

المهمّ في الوقت الحاضر الحسابات الداخليّة اللبنانيّة. السؤال الكبير هل ستكون قيامة للبنان نتيجة غياب حسن نصرالله وما تعرّض له الحزب من عملية تفريغ من داخل؟ هل يؤدي اغتيال حسن نصرالله إلى جعل طائفة بكاملها (الطائفة الشيعيّة) تستعيد وعيها بعيدا عن أي نوع من العجرفة، وهي عجرفة كانت تجعل من حسن نصرالله، قاتل رفيق الحريري ومجموعة من اللبنانيين الشرفاء، يتحدّث عن نفسه بوصف كونه “السيّد”؟

    كان بالفعل “سيدا” في ارتكاب الجرائم. نجح في التخلّص من رفيق الحريري ورفاقه على رأسهم باسل فليحان. من أجل تغطية الجريمة كانت جرائم أخرى شملت، بين من شملت، سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار أمين الجميّل ووليد عيدو وأنطوان غانم واللواء فرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن ومحمّد شطح… ولقمان سليم.

    لم يترك حسن نصرالله جريمة إلّا وارتكبها بغية تكريس نفسه “سيّدا” على لبنان واللبنانيين. أبرز تلك الجرائم اجتياح بيروت والجبل في أيار – مايو 2008 لإخضاع السنّة والدروز في ما اعتبره نصرالله “يوما مجيدا”. لا داعي بالطبع إلى إعادة التذكير بجريمة تفجير مرفأ بيروت حيث كان الحزب يخزن نيترات الأمونيوم.

    قبل فتح جبهة الجنوب، قتلت العجرفة حسن نصرالله وقتلت كبار القادة في “حزب الله”. تلقت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ضربة كبيرة. ليس مستبعدا أن تتغيّر إيران التي أعاد فيها النظام إلى الواجهة محمد جواد ظريف، الذي لعب في الماضي دورا كبيرا في التوصل إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي. يتحدث ظريف عن مساعدة إيران لـ“حزب الله” وقدرته على الدفاع عن نفسه متجاهلا ما إذا كان لإيران دور في المواجهة مع إسرائيل.

    تتغيّر إيران أو لا تتغيّر؟ لا جواب عن ذلك، لكنّ اللافت أنّ مضمون الخطاب الرسمي الإيراني صار مختلفا منذ انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا للجمهورية بتواطؤ مع “المرشد الأعلى” علي خامنئي. يطرح التغيير الذي طرأ على الموقف الإيراني تساؤلات كثيرة تصب كلّها عند خلاصة وحيدة؛ لا تريد “الجمهوريّة الإسلاميّة” في أي شكل صداما مباشرا مع أميركا أو إسرائيل، بل تسعى إلى تفادي مثل هذا الصدام. تسعى إلى ذلك بعدما اكتشفت أنّ اللقمة التي حاولت ابتلاعها في ضوء حرب غزّة كانت لقمة كبيرة لا تستطيع هضمها. من الواضح أنّ إيران تعمل من أجل تعديل مشروعها بعيدا عن سوريا ولبنان مع تركيز خاص على العراق الذي تعتبره امتدادا حيويا لها. فرض ذلك التمسّك بحكومة محمّد شياع السوداني الذي يلعب الدور المطلوب منه إيرانيا.

    منذ اليوم الأوّل لقيام النظام الإيراني الحالي (الجمهوريّة الإسلاميّة) في العام 1979، كان الهمّ الأوّل لهذا النظام الدفاع عن وجوده. لم يتغيّر شيء في السنة 2024. دفع حسن نصرالله، الذي ارتكب جريمة فتح جنوب لبنان، ومعه الحزب، ثمن الحسابات الداخليّة الإيرانيّة حيث الأولويّة للدفاع عن النظام… لا عن غزّة والقدس ولا عن لبنان ولا عن سوريا!

    المصدر العرب اللندنية

    اترك رد

    عاجل