قبل أن تنتشر الشعارات في سوريا، وأغلبها تهكّمي، أن الطريق الإيراني إلى القدس يمر من حلب أو حمص أو القلمون. في العام 1982 كان هناك شعار أطلقه الخميني بنفسه خلال الحرب الإيرانية العراقية “طريق القدس يمرّ عبر كربلاء”.
في نفس الفترة، روَّج الخميني بين أتباعه أن الحرب مع العراق هي “نعمة إلهية” سوف تقود إلى تحرير العالم الإسلامي، والقدس وفلسطين بالطبع ضمناً. بحسب خططه وقتذاك، ستصل الجيوش الإيرانية من عدة محاور لتتمركز في كربلاء، ومن هناك سوف تتحرك باتجاه دول المنطقة.
ورد في ملف موقع مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عن تاريخ فيلق القدس، أتيت على ذكره في مادتي السابقة. في العام ذاته، وبأمر من الخميني شخصياً، وبهدف إقامة الجمهورية الإسلامية في لبنان، أُرسلت إلى لبنان “كتيبة محمد رسول الله” من الحرس الثوري، بقيادة رجل الاستخبارات، الحرسي حسين مصلح (يستخدم الشعب الإيراني تعبير “الحرسي” للتعريف بمنتسبي الحرس الثوري).
كل الانفجارات التي حدثت في لبنان خلال العام التالي في السفارة الأميركية، ومراكز القوات الفرنسية والأميركية العاملة ضمن قوات حفظ السلام، واختطاف الغربيين وقتل بعضهم، كانت بقيادة مباشرة من ضباط الحرس، وجميعها تبنتها حركة “الجهاد الإسلامي” المجهولة حينها، والتي ستتحول فيما بعد إلى “حزب الله”، بإشراف وتنسيق وتمويل إيراني.
في خطابه بمناسبة أربعين مصطفى بدر الدين، القيادي الذي قتل في سوريا عام 2016، سيعترف أمين عام حزب الله حسن نصر الله صراحةً بما يعرفه الجميع: “موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه، وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، ومالنا المقرر لنا يصل إلينا”. رغم كل هذا، ورغم كل الوثائق التي تثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، التبعية التامة لحزب الله، والميليشيات المشابهة في العراق واليمن وسوريا لإيران. لا يخجل هؤلاء أحياناً بالحديث عن قرارهم المستقل!
في كتابه “حرس النظام الإيراني” المنشور عام 2007، ينقل مهدي أبريشمجي عن البرلماني الإيراني كاظم دلخوش قوله عن حرب تموز 2006: “نحن بدأنا الحرب في لبنان، وكنا وضعنا خطة البدء بها، خلال الرحلة الأخيرة التي قام بها نصر الله إلى طهران قبل الحرب”. هل كان الرجل يكذب؟ لا أعتقد، فهو أدلى بما أدلى به أمام لجنة الخارجية في البرلمان، أي أمام أهل البيت الداخلي، وليس مضطراً للكذب كما يفعل السياسيون عادةً أمام وسائل الإعلام.
“موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه، وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران، ومالنا المقرر لنا يصل إلينا”.
بالعودة إلى عملية تفجير مقري القوات الغربية في بيروت، قدم “الجهاد الإسلامي” يومها، اسمي شابين عشرينيين وصورهما نفذا العملية. كالعادة تنصلت إيران من أي دور لها في التفجيرات حينها. لكن بعد 21 عاماً، في عام 2004، أقام الحرس الثوري الإيراني نصباً تذكارياً، تكريماً لمنفذي العملية في الموقع المعروف باسم “شهداء العالم الإسلامي” في مقبرة “جنّة الزهراء” في طهران.
في مطلع عام 2007، عقد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ثلاثة مؤتمرات صحفية في كل من لندن وبرلين وباريس، كشف خلالها، ووزع للصحفيين وثائق سرية للحرس الإيراني، حول تدخلاته في العراق. تضمنت إحدى الوثائق كشفاً بأسماء وتفاصيل عن 32000 ممن يتلقون الرواتب من النظام الإيراني في العراق! كثير من تلك الأسماء كان لها نفوذ واسع في الأجهزة الحكومية، الأمنية منها على وجه الخصوص. إضافة لمعلومات تفصيلية عن توزع شبكة فيلق القدس على مختلف محافظات العراق.
ولكن هل كانت تلك القوائم حقيقية؟ في تحقيقٍ لها عام 2016، ستورد صحيفة واشنطن تايمز الأميركية أن “لدى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، شبكة معلومات استخبارية واسعة داخل الحرس الثوري الإيراني” مما يجعل معلوماتها، حسب التجربة، دقيقة إلى حدٍّ بعيد.
في مقابلة مع وكالة أنباء فارس يوم 15 كانون الأول/ديسمبر 2016، وفي معرض الإشادة بدور العميد جواد غفاري المعين حديثاً كقائد عمليات الفيلق في سوريا، أشار العميد سعد الله زارعي المستشار في فيلق القدس لدور إيران القيادي في كامل العمليات “كان إنشاء وحدة القيادة في حلب نقطة أساسية. بداية الأمر كان من الصعب قبول دور القائد الحديث نسبياً (غفاري)، لكن سرعان ما تمَّ ذلك، حتى من قبل جنرالات بارزين في الجيش السوري”.
إيران وحزب الله جعلا من سوريا واحداً من أخطر مراكز تصنيع وتوزيع المخدرات عالمياً.
في عددها الصادر يوم 27 آب/أغسطس 2017، كتبت صحيفة نيويورك تايمز “إن إيران تعيد تشكيل الشرق الأوسط” مضيفةً أن عراقياً قاتل إلى جانب الإيرانيين في سوريا قال: “على الجبهات الأمامية في حلب، كان هناك حزب الله اللبناني وكان هناك الأفغان والباكستانيون والعراقيون. كان هؤلاء جميعاً تحت قيادة إيران في معركة حلب”. في تصريح لوكالة فارس مطلع 2017، قال العميد إيرج مسجدي مستشار سليماني والسفير السابق في العراق “كان الخط الأمامي لمقاتلينا بالأمس هو آبادان وخرمشهر ومهران، أما الآن فهو الموصل ولبنان وحلب وكامل سوريا”.
بحسب مجاهدي خلق، كانت رواتب المقاتلين التابعين للفيلق في سوريا، من مختلف الجنسيات، تبلغ مليار دولار سنوياً. حسناً، تبدو كل هذه الأمور معروفة، إن لم يكن بتفاصيلها، فعلى الأقل بخطوطها العريضة، فماذا أريدُ القول؟ الحقيقة لا شيء أكثر من التذكير مراراً أن كل الأذرع الممولة إيرانياً، إنما تُقاد من طهران، وهي إنما تفتح كل معاركها وتنهيها، بأوامر وهندسة إيرانية، لتصبّ في النهاية بمصلحتها، دون أن تقدم الكثير من التضحيات سوى المالية، وهي تضحية على حساب حياة ورفاه شعبها. والنتائج هي مزيد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ومزيد من الانهيار والخراب والموت في كل الدول التي جاست إيران بها.
لنفكر معاً. إن نظام خامنئي الذي يشنق الناس في بلده لحيازتهم بضعة غرامات من المخدرات، هو ذاته، يدير واحدة من أكبر إمبراطوريات المخدرات في أميركا اللاتينية، من خلال ذراعه الأهم حزب الله. وجميعنا نعلم اليوم بأن إيران وحزب الله جعلا من سوريا واحداً من أخطر مراكز تصنيع وتوزيع المخدرات عالمياً. في بيان تاريخي صيف عام 2006 وقع عليه أكثر من 5 ملايين مواطن، طالب العراقيون بقطع ذراع النظام الإيراني في العراق. علينا جميعاً أن ننضم للبيان.
عذراً التعليقات مغلقة