مضى عام على الزلزال المزدوج الذي ضرب مناطق واسعة على جانبي الحدود في تركيا وسوريا. وبلغ عدد الضحايا أكثر من 50 ألف شخص في تركيا، ونحو 18 ألفاً في سوريا، إضافة إلى أعداد كبيرة من المصابين، ودمار هائل في المباني والمنشآت، وتقدّر الأمم المتحدة عدد من باتوا بلا مأوى بنحو مليون ونصف المليون في تركيا.
ولم تتوقف الهزات الارتدادية طوال العام الماضي، فبلغ عددها أكثر من 46 ألفاً وفقاً لأرقام مركز قندللي للرصد الجيولوجي.
في الساعة الرابعة و17 دقيقة صباحاً، موعد الزلزال الأول بقوة 7.8 على مقياس ريختر، أحيا آلاف الأتراك في أربع مدن كانت الأعلى في الخسائر البشرية والعمرانية، ذكرى الزلزال، أنطاكية ومرعش وملاطية وآضي يمان. وغطت وسائل الإعلام هذا الحدث بصورة واسعة. كما قام الرئيس التركي أردوغان بجولة على بعض المدن التي ضربها الزلزال، حيث تم تسليم قسم من الشقق الجديدة لبعض من خسروا بيوتهم في الزلزال.
وكما كانت تركيا على عتبة انتخابات رئاسية ونيابية حين ضرب الزلزال 11 محافظة تركية منكوبة، هي اليوم أيضاً على عتبة أقرب من الانتخابات المحلية التي لا تقل إثارة عن الانتخابات العامة، بسبب الاستقطاب السياسي الدائم في الحياة السياسية التركية. وستكون المعركة الانتخابية الحاسمة في كل من إسطنبول وأنقرة بصورة خاصة، بالنظر إلى أهمية المدينتين والميزانيات الفلكية، بالمقاييس التركية، التي ستكون تحت تصرف البلديتين لخمس سنوات قادمة. لذلك سيتنافس في المدينتين، بصورة رئيسية، مرشحو الحزبين الرئيسيين لرئاسة بلديتيهما، العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض، الأول بهدف استعادة المدينتين بعد خمس سنوات من خسارتها، والثاني للحفاظ عليهما بيد مرشحيه.
ولم يخل إحياء ذكرى الزلزال من مشاعر المرارة لدى المتضررين الذين عبروا عن غضبهم من تباطؤ الحكومة في تضميد جراحهم، ومن غياب العدالة في معاقبة من يتحملون المسؤولية في موت آلاف السكان بسبب أبنية مرخصة لم تكن مطابقة لمواصفات الحد الأدنى من شروط مقاومة الزلازل. قسم صغير فقط من المتعهدين والمهندسين تجري محاكمتهم، في حيل لم يطل القانون أصحاب المناصب ممن كانت تقاريرهم وقراراتهم سبباً غير مباشر في الخسائر البشرية.
أما الزلزال السياسي السوري فقد بدأ في 2011، في إطار زلزال الربيع العربي الذي ضرب عدداً من البلدان العربية، واستطاع النظام أن يهدم سوريا على من فيها بأسلوب رده على الثورة
وتحاول أحزاب المعارضة استثمار مناخ الذكرى السنوية للزلزال لتحقيق نتائج لمصلحتها في الانتخابات المحلية، في الوقت الذي تمور الكواليس السياسية بمحاولات بين الأحزاب لعقد اتفاقات فيما بينها قد تساهم في تغيير النتائج بالنسبة لكل حزب وكل مرشح.
أما على الضفة السورية من الزلزال فقد دخلت البلاد في نطاق الزلزال السياسي الذي هز الإقليم منذ السابع من تشرين الأول بالعملية النوعية التي قامت بها حركة حماس وأطلقت عليها اسم «طوفان الأقصى». فقد تحولت سوريا إلى ساحة صراع أمريكي ـ إيراني ربطاً بالحرب الوحشية المستمرة على غزة منذ أكثر من أربعة أشهر، من خلال استهداف الميليشيات الموالية لإيران لمواقع أمريكية، والرد الأمريكي باستهداف مواقع تلك الميليشيات.
وتعامل نظام الأسد مع الزلزال المدمر في المناطق الشمالية الغربية من سوريا، بوصفه «فرصة» سياسية واقتصادية، من خلال الأبواب العربية التي فتحت أمامه بعد عزلة مديدة، فاستعاد مقعده في الجامعة العربية، وشارك رأس النظام في القمة العربية التي انعقدت في مدينة جدة السعودية في شهر أيار، في حين سطا على المساعدات التي قدمتها دول ومنظمات ليبيعها عن طريق مجموعات الشبيحة بدلاً من توزيعها على منكوبي الزلزال.
غير أن أجواء التفاؤل التي رافقت الانفتاح العربي على النظام سرعان ما أصبحت طي النسيان بسبب معاندته في الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في المبادرة العربية، واستمراره في تصدير المخدرات إلى الدول العربية عبر البوابة الأردنية. بل يمكن القول إن النظام قد دخل فيما يشبه الغيبوبة أثناء الأشهر التالية على طوفان الأقصى والحرب المستمرة على قطاع غزة، ليستيقظ بعد بداية العام الحالي على إجراءات إدارية تتعلق بخاصة بتنقلات في قيادات أجهزته الأمنية أطلق عليها في وسائل الإعلام «إعادة هيكلة» تلك الأجهزة التي تشكل عصب النظام وأداته الرئيسية في سحق السوريين وإخضاعهم. وهذا في الوقت الذي تمور الساحة السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية بالحركة لرسم ملامح ما بعد حرب غزة، واستطراداً ملامح النظام الإقليمي ككل الذي يمتد من فلسطين شمالاً إلى لبنان وسوريا والعراق مروراً بالأردن، وجنوباً إلى اليمن وربما مصر، إضافة إلى كل من إيران وتركيا اللتين تمثلان مع السعودية «دول عظمى إقليمية».
أما الزلزال السياسي السوري بصورة خاصة، فقد بدأ في منتصف آذار 2011، في إطار زلزال الربيع العربي الذي ضرب عدداً من البلدان العربية، واستطاع النظام أن يهدم سوريا على من فيها بأسلوب رده على الثورة، فتجاوز الدمار العمراني الذي نتج عن قصفه الجوي والبري ما سيدمره زلزال السادس من شباط، وبلغت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين أضعافاً مضاعفة من الخسائر الناجمة عن الزلزال. إضافةً إلى «موت سوريا» كبلد ودولة بعدما حولها النظام إلى مناطق نفوذ لخمس دول، تدور بينها صراعات عسكرية، ومرتعاً لمجموعات مسلحة تتبع تلك الدول.
شاع في الرأي العام التركي، في أعقاب زلزال 6 شباط، قول «إن الزلازل لا تقتل، الأبنية هي التي تقتل» في إشارة إلى عدم اتباع معايير مقاومة الزلازل في أعمال البناء في بلد يزخر تاريخه بالزلازل المدمرة، بدلالة أن بلداناً أخرى تقع فيها الزلازل بكثرة، كاليابان مثلاً، تكون فيها الخسائر العمرانية و(بالتالي) البشرية في حدودها الدنيا.
ويمكن سحب هذا القول على الزلزال السياسي أيضاً في بلدان مثل سوريا، فنقول إنه لا يدمر البلد لو كان البناء الوطني سليماً. فالثورات لا تمزق وتدمر تلك البلدان ذات البناء الوطني السليم والإدارة العقلانية.
عذراً التعليقات مغلقة