إذن لم يتبدل المشهد بل زاد سوءا، فعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وتطبيع بعض الدول العربية معه، وإعادة العلاقات، لم تجعله يغير من سياسته التخريبية حتى تجاه الدول التي دعمت عودته وحاولت إعادة تأهيله، عله يتوقف عن زعزعة استقرارها؛ فقبل أيام كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن زادت بعد محادثات التطبيع العربي التي حدثت في جدة وعمان مع النظام السوري. وإن كان الأمر يبدو غير متوقع، إلا أنه في حالة النظام السوري لا يبدو الأمر غريبا.
والمعلوم والمعلن عنه أن الدول العربية أعادت علاقتها مع النظام وفق رؤية محددة أرادت من خلالها الدفع بحل سياسي في سوريا، وحل بعض الملفات وأهمها ملفا تهريب المخدرات وتحديدا الكبتاغون من سوريا إلى دول عربية، والبدء بعودة اللاجئين وخصوصا من دول الجوار إلى سوريا. لكن كل ما أراده النظام السوري من العملية هو تصوير نفسه كمنتصر والحصول على الأموال، لا سيما وأن العقوبات المفروضة عليه وعلى عرابه الإيراني والانشغال الروسي، أمور فاقمت من سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية في سوريا، ما دفع بحاضنة النظام الأقرب إلى التململ.
ولكن إصرار النظام على استمراره في إرسال المسيرات المحملة بالكبتاغون وحتى المتفجرات أحيانا ظنا منه أنه سينجح في ابتزاز الدول العربية لتغدق عليه الأموال، ولتضغط على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، يبدو وكأنه كمن يقامر بمعظم أوراقه، وخصوصا مع الانزعاج الأردني غير المسبوق والذي وصل أحيانا إلى التلويح باستخدام القوة لوقف عمليات التهريب عبر حدوده مع سوريا؛ فالجانب السوري الذي تراجع عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة منه بموجب المبادرة الأردنية (خطوة مقابل خطوة)، تركت تصريحات رئيسه التلفزيونية أثرا سلبيا وخصوصا ما يتعلق منها بملف تصنيع وتهريب المخدرات.
هذا كله دفع بمسؤولين أردنيين حاليين وسابقين، والإعلام الأردني، إلى الحديث عن الخيارات التي قد يلجأ إليها الأردن، حتى إن الملك الأردني عبدالله بن الحسين صرح بـ”إننا سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة السورية”، ما رأى فيه البعض إمكانية لتغير قواعد الاشتباك على الحدود الأردنية- السورية؛ فالأردن يرى أن ما يحدث على الحدود الأردنية- السورية هو عمليا بمثابة حرب على أمنه واستقراره، وبذلك يصبح الدفاع عن النفس أمرا مشروعا إن لم ينفع الضغط السياسي والدبلوماسي.
إصرار النظام السوري على الاستمرار في إرسال المسيرات المحملة بالكبتاغون وحتى المتفجرات أحيانا، ظنا منه أنه سينجح في ابتزاز الدول العربية لتغدق عليه الأموال، ولتضغط على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، يبدو وكأنه كمن يقامر بمعظم أوراقه
ولكن ما الذي بإمكان الأردن حقا فعله؟ يقول البعض إن منطقة عازلة داخل الأراضي السورية أمر بدأ يطرح للنقاش، وقد تعزز المظاهرات المستمرة منذ أكثر من 40 يوما في السويداء إلى جانب المظاهرات وفشل المصالحات في درعا من هذه الفرضية، وخصوصا أن المنطقة إن شملت درعا والسويداء فلن يكون لها أي طابع طائفي، عكس ما يروج له الإعلام الممول من إيران. لكن السؤال هنا، هل بإمكان الأردن فرض هذه المنطقة؟ طبعا لا، فهذا الأمر يحتاج إلى أموال طائلة وقدرات عسكرية لا يمكن للأردن منفردا أن يقدمها.
ولنذكر أن الأردن ليس وحده من يعاني من مخدرات النظام ومحاولات العبث بأمنه، فلماذا لا يتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة هذه الجريمة التي لا تقل خطرا عن الإرهاب، كما سبق وتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش؟
لا يبدو الأمر مستحيلا، وإن كان بحاجة إلى جهود جميع المتضررين من نظام الأسد ومن معه؛ ففي سبتمبر/أيلول من العام 2014 تم تشكيل التحالف الدولي ضد داعش، وأعلنت الدول المنضوية في التحالف التزامها بمحاربة التنظيم على مختلف الجبهات وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته، وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والمالية للتنظيم. فما الذي يمنع اليوم تشكيل تحالف دولي لمحاربة تجارة الكبتاغون؟ وهل يمكن الاستفادة من القانون الأميركي لمكافحة تجارة النظام السوري للمخدرات، وخصوصا أن القانون ذكر أن الكبتاغون السوري يشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي؟
الأردن ليس وحده من يعاني من مخدرات النظام ومحاولات العبث بأمنه، فلماذا لا يتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة هذه الجريمة التي لا تقل خطرا عن الإرهاب، كما سبق وتم تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش؟
لقد تجاوزت الولايات المتحدة كل التحفظات عندما أدركت أن رئيس بنما إيمانويل نورييغا لن يكف عن إرسال المخدرات لأرضها فقامت باعتقاله وأخذته مكبلا ليحاكم في محاكمها، وهذه سابقة تدل على أن الاتفاقيات الدولية الكثيرة الموقعة بين دول العالم لمحاربة الجريمة المنظمة وتبادل المعلومات وملاحقة المجرمين وتسليمهم قد لا تكون كافية عندما يتورط نظام حكم في الجريمة ويصبح هو المجرم، لحظتها لا بد من عمل ما يقضي على الجريمة التي لم تعد مجرد مشروع يتم في الخفاء من قبل أفراد، بل بات يملك بنية تحتية لديها ميليشيا عسكرية ومصانع وخطوط نقل، لذلك ربما على العالم ولا سيما دول الجوار إعادة التفكير في إنشاء تحالف لمحاربة آفة المخدرات يكون قادرا على القضاء على هذه الصناعة بالكامل وتدمير بنيتها التحتية ومعاقبة المتورطين فيها.
عذراً التعليقات مغلقة