في البلد المنهك اقتصاديا، يسعى النظام السوري إلى تعزيز سيطرته على الشعب ويعاقب وفقا للقانون كل من ينشر أخبار “تنال من هيبة الدولة”. القانون الجديد رقم 15 يضاف إلى التشريعات التي تحد من حرية التعبير في سوريا.
بينما تزداد الحياة ضيقا على السوريين مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، في البلد الذي يعيش أكثر من 90% من سكانه تحت خط الفقر، تسعى السلطات إلى إحكام قبضتها الأمنية عبر كبت أي صوت يجرؤ على الانتقاد أو حتى “النيل من هيبة الدولة”، حسب التعبير المذكور في قانون العقوبات.
يوم الإثنين 28 آذار/مارس، أصدر بشار الأسد قانونا يتيح تعديلات على مواد من قانون العقوبات، وحدد القانون الجديد (رقم 15) التي نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عقوبة على كل سوري “يذيع أنباء كاذبة أو مبالغا فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها بالحبس ستة أشهر على الأقل”.
وكان القانون قبل التعديل الأخير يحاسب بشكل خاص كل سوري “يذيع في الخارج” الأنباء المذكورة. إلا أن ذلك بات يطبق على جميع السوريين أينما كانوا، سواء داخل البلاد أم خارجها.
وتنطبق تلك القوانين أيضا على الأشخاص الذين ينشرون تلك الأخبار على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ إنه وفقا لمرسوم جمهوري صادر عن الرئاسة في العام 2012، تأسس “فرع مكافحة جرائم المعلوماتية”، تحت إدارة الأمن الجنائي، وذلك عقب صدور قانون الإعلام الإلكتروني في سوريا رقم 26، في شباط/فبراير من العام 2011. وبناء على هذا القانون تستطيع السلطات اعتقال صاحب أي منشور ينتقد الدولة على فيسبوك مثلا.
كما يعاقب القانون الجديد كل سوري “يذيع أنباء من شأنها تحسين صورة دولة معادية للمساس بمكانة الدولة السورية”.
لكن القانون لم يحدد قائمة بالدول “المعادية”، علما أن النظام يصف جميع الدول التي انتقدت الأسد على مدى السنوات الماضية بأنها “متآمرة” وتسعى إلى “عرقلة نهضة سوريا الحضارية”.
أحيانا أشعر بالاختناق، لكن لا حل لدي سوى بالسكوت والرضوخ للأمر الواقع
“هيبة الدولة، المساس بمكانتها، تحسين صورة دولة معادية، بث اليأس أو الضعف…” والكثير من المصطلحات الفضفاضة تشكل جزءا من نصوص هذه العقوبات، والتي تجعل السوريين معرضين لخطر الاعتقال بناء على تفسير خاص لمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، فالمساس بمكانة الدولة قد يكون عبر الكلام مثلا عن غلاء أسعار المواد الغذائية، أو المحروقات، أو انقطاع الكهرباء وغيرها من أدنى الخدمات الأساسية التي يفتقر إليها المواطن السوري.
سارة*، شابة سورية تعيش في ضواحي العاصمة دمشق وتكمل سنتها الأخيرة في دراسة الصيدلة، قالت في اتصال هاتفي مع مهاجرنيوز، “لم يعد هناك ما يسمّى بالحياة الطبيعية في سوريا، أحيانا أشعر بالاختناق، لكن لا حل لدي سوى بالسكوت والرضوخ للأمر الواقع. لا أجرؤ على التحدث عما نعانيه عبر الهاتف، فما بالك بكتابة منشور أو وضع تعليق نتحدث فيه عن معاناتنا المتزايدة. ومع القوانين الجديدة لا أجرؤ حتى على وضع إعجاب على صفحات تنشر أخبار تنتقد وضعنا المعيشي”، تتوقف برهة في محاولة لكبت كلماتها التي قد تخرج من فمها وتكلّفها الكثير، وتكتفي بالقول، “ننتظر الفرج”.
يسخر الناشط السوري سالم* المقيم حاليا في درعا عند سؤاله حول مدى تأثير هذه القوانين على حياته، “ذلك يجعلني أشعر وكأننا نعيش في دولة قانون”، يتنهد مكملا “على كل حال يستطيع أي عنصر أمن أو شبيح زجك في السجن سواء كان ذلك على أساس قانوني أم لا”.
رغم أن الدستور الحالي النافذ لعام 2012 في سوريا، يضمن الحق بالتعبير عن الرأي بحرية وعلنية (بناء على المادة 42)، لكن المفارقة تكمن في جملة التشريعات والنصوص القانونية التي تحد من الحريات العامة، كان آخرها إقرار مشروع قانون في 17 آذار/مارس متعلق بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة “الجريمة المعلوماتية“.
وكل فترة تعلن السلطات توقيف أشخاص بجرم التعامل مع صفحات ومواقع إلكترونية “مشبوهة”، وتحذر المواطنين من التعامل مع “تلك المواقع”.
في العام 2020، تجاوز عدد “المخالفات” ألفي مخالفة، إذ كشف رئيس فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي العقيد لؤي شاليش لصحيفة الوطن أن “عدد الضبوط المسجلة لدى الفرع وفي أقسام مكافحة الجرائم المعلوماتية في فروع الأمن الجنائي 2,334 ضبطا”.
في تقريرها السنوري لمؤشر الحرية العالمي لعام 2021، صنفت منظمة “فريدم هاوس” سوريا في المركز الأول ضمن المؤشر الذي يقر بانعدام الحرية التي يتمتع بها الأفراد. وورد في آخر دراسات المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أن “عشرات الآلاف من الأفراد أخفوا قسرا على يد النظام والجهات التي تعمل بإذن أو دعم منه”، ورغم عدم توافر أرقام دقيقة نظرا إلى غياب الأرقام الرسمية، يقدّر المركز عدد الذين تعرضوا للاعتقال أو الإخفاء القسري منذ العام 2011 بحوالي 130 ألف شخص.
Sorry Comments are closed