في بداية الثورة كان أحد أساليب القمع الوحشية التي اعتمدها نظام الأسد في مواجهة السيل الجارف من المظاهرات هو الاعتقال والتعذيب حتى الموت، وكانت حادثة مقتل الطفلين حمزة الخطيب وثامر الشرعي في ريف درعا، منذ الشهر الأول للثورة بداية هذا المسلسل الطويل من القتل في سجون النظام والذي ما زال مستمراً حتى الآن.
في الأشهر الأولى من الحراك السلمي كان يواجه الثائرين عدو واحد يصرح دون خجل أنه يحارب إرهابيين وعملاء، هدفهم تقويض أسس الدولة وتخريب البلد، وعلى الرغم من اعتراف النظام بشن حرب شاملة ضد الشعب الثائر إلا أنه لم يعترف بقتل المعتقلين في سجونه ولفق شهادات طبية مفبركة لبعضهم بالموت لأسباب مختلفة منها توقف القلب المفاجئ، في محاولة لتنظيف سجله القانوني أمام الرأي العام العالمي لا أكثر ولا أقل.
وفي ذلك الوقت لم يتخيل الشعب الذي ثار ضد النظام وقمعه وظلمه وفساده، أنه سيشاهد فصول أخرى مشابهة من فئات خرجت من رحم هذه الثورة، خصوصا أن مرحلة تحول الحراك السلمي إلى مسلح قدم نفسه حاملي السلاح من المنشقين من الجيش ومن التحق بهم بما كان يسمى”فصائل الجيش الحر” بأن هدفهم الأول هو حماية المظاهرات والمتظاهرين. فكيف تتوقع الفئة الحاضنة للثورة أن هذا السلاح سيكون في مواجهتهم يوما ويقتل بعض الثائرين في سجون هذه الفصائل لأسباب تختلف عن أسباب النظام ظاهريا ولكنها تتقاطع معه في إخفاء أي صوت يرتفع ضد تصرفاتهم وأفعالهم.
انتهجت جميع الفصائل نفس أسلوب النظام ببناء سجون واعتقال تعسفي لكل من يرون أنه يشكل تهديد لوجودهم، حتى لو كان التهديد منشوراً على الفيس بوك، وتعرض عشرات الناشطين لتهديد وسجن وتعذيب وقتل، حتى فرغت المناطق التي سميت مناطق”محررة” من الناشطين ومن فر هاربا من مناطق النظام خوفا من الاعتقال إلى المناطق المحررة وجد نفسه مهدد بذات المصير إذا لم يلتزم بالقواعد التي تفرضها سلطة الأمر الواقع أو الصمت بأفضل الأحوال.
ولم تقتصر السجون والانتهاكات عند فصائل الجيش الحر بل جميع الفصائل الراديكالية التي ظهرت لاحقا اتبعت نفس النهج بطرق أكثر وحشية، ومن خرج سالما من سجون داعش وجبهة النصرة تحدث عن تسلسل آمني عند هذه الفصائل تتشابه إلى حد يثير الدهشة مع أساليب النظام السوري في التحقيق والتعذيب.
في هذا الوقت ومع تشكل ما يسمى الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، بقيادة قوات سورية الديمقراطية (قسد) وخصوصا بعد أن حملت عنوان التصدي للإرهاب وقتال داعش، وتقدم نفسها على أنها تهدف لبناء سوريا ديمقراطية علمانية. حاولت (قسد) إعلاميا وسياسيا الدفاع عن مشروعها، وأنه النموذج الوحيد المنظم إداريا وسياسيا في سورية حاليا، والذي يعمل ضمن قواعد إنسانية تتفق مع حقوق الإنسان، مع التأكيد دائما بأنهم لا يتبنون سياسة النظام الإجرامية و الإقصائية، كما لا يتقاطعون مع الأعمال الإرهابية التي تمارسها سلطات الأمر الواقع المحسوبة على المعارضة.
على الرغم أن حزب (ب ي د) الذراع العسكري لقوات سورية الديمقراطية ، انتهج في مراحل مختلفة تصرفات وأعمال لا تقل إجراما ووحشية عن الجميع، الحادثة الشهيرة التي عرضوا جثث مقاتلين للجيش الحر من بلدة تل رفعت في شوارع عفرين عام ٢٠١٦(قبل معركة غصن الزيتون٢٠١٨) عندما كانت مازالت تحت الإدارة الذاتية التي أصدرت في ذلك الوقت بيان تتنكر لهذه الحادثة وتفتح تحقيق حول الآمر لم نعرف نتيجته حتى اللحظة.
على الرغم من تقديم (قسد) نفسها في موقع الدفاع عن حقوق المرأة، وصور المقاتلات في صفوف الحزب تملأ وسائل الإعلام حتى الغربية منها، متجاهلين أساليب تجنيد القاصرات الإجباري التي تتعارض مع حقوق الإنسان التي يدعون تمثيلها.
مع ذلك فإن الصورة الإعلامية مازالت براقة ،وتقدم نموذجاً معاصراً للدولة التي يطمح إليها الإنسان الحر، حتى قبل أيام تناقلت وسائل الإعلام خبر مقتل شاب ثلاثيني من ريف الدرباسية في شمال شرق سوريا على يد قوات حزب (ب ي د) تحت التعذيب دون معرفة أسباب اعتقاله واختفائه حتى اللحظة، خلع أسنان وتكسير جمجمة وحرق بالنار للاماكن الحساسة في الجسم.
في مشهد يعيدنا إلى المربع الأول، هو توافق جميع المكونات السورية المختلفة، نظام ومعارضة وإدارة ذاتية، عرب وأكراد، من يدعون تمثيل الإسلام والعلمانية، على إلغاء أي صوت لا يتفق مع رؤيتهم بأي طريقة كانت، لا حدود هناك لتكميم الأفواه، لا خطوط حمراء تقف في وجه الجلادين، على مايبدو أن الهوية السورية الوحيدة التي جمعت المجرمين هي توافقهم على أن اللغة الوحيدة التي يفهمها هذا الشعب، هي لغة القتل، قصفا، حرقا، خنقا، وتحت التعذيب.
عذراً التعليقات مغلقة