* فراس علاوي
تعيش الأحزاب الكردية منذ عقود صراعاً داخلياً فكرياً ايدولوجياً وصل في بعض الأحيان إلى صراع مسلح.
ترتكز مقومات هذا الصراع على اختلاف الرؤية حول الهوية الكردية وكيفية تحقيق حلم “الدولة الكردية”، هذا الصراع لم يكن محله سوريا فقط بل جميع الدول التي يتواجد فيها الأكراد (تركيا_العراق_إيران_بالاضافة لسوريا)
الأحزاب الكردية ورغم ممارسات النظام السوري المجحفة في حقها منذ وصوله للحكم, حتى قيام الثورة السورية عام 2011 لم تتخذ موقفاً موحداً بل بقيت منقسمة على نفسها. حيث اختلف الاصطفاف الكردي بالنسبة للثورة السورية, فهناك من وقف معها ودعم الحراك الثوري الكردي مثل المجلس الوطني الكردي وبعض الشخصيات السياسية الكردية المستقلة. فيما وقفت أحزاب أخرى خاصة التي تملك أجنحة عسكرية مثل حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديموقراطي وما سمي فيما بعد وحدات حماية الشعب الكردية إلى جانب النظام , بل وسخرت آلتها العسكرية والأمنية لإجهاض التحرك الثوري خاصة الكردي, حيث قاموا بقمع إخوتهم الأكراد محاولين إجهاض حراكهم الثوري عن طريق الترهيب والاعتقال والقمع والتهديد الذي وصل للقتل كما في حالة الناشط الكردي المعروف مشعل التمو الذي اغتيل نتيجة وقوفه مع الثورة السورية.
كان وقوف هذه الأحزاب إلى جانب النظام طمعاً في تحقيق مكاسب سياسية خاصة من الاجنحة العسكرية مثل الـ pyd والـ pkk المعادية لتركية.
كان صالح مسلم الشخصية الأكثر ظهوراً بالنسبة للقيادات الكردية والذي أصبح فيما بعد الحليف الحقيقي للنظام خاصة بعد التدخل الروسي والذي شجع التنظيمات الكردية على الوقوف مع النظام وقمع الحراك الثوري.
لكن نقطة التحول الحقيقية في عمل هذه الأحزاب وتوجهاتها كان ظهور تنظيم الدولة الاسلامية (داعش), والذي كان بالنسبة للأكراد طوق نجاة من عزلة كانت تحيط بهم, حيث كان لما أسماها “غزوة عين الاسلام” والتي استهدف فيها مدينة عين العرب (كوباني) دوراً فعالاً في ظهور الأكراد كضحية لهذا التنظيم الإرهابي وتصوير أنفسهم المستهدف الأول له.
ما تبع معركة عين العرب وتدخل التحالف الدولي كان يسير لصالح هذه التنظيمات التي قدمت نفسها على أنها الحليف القوي والمنظم والأكثر قدرة على محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة (داعش).
نتيجة لهذه الظروف ظهر ما يسمى تحالف (قوات سوريا الديموقراطية) والذي تشكل قوات حماية الشعب الكردية النواة الرئيسية له حيث تحالفت معه بعض القوى الأخرى مثل بعض فصائل الجيش الحر التي تمت تصفيتها في الشمال على يد الفصائل الاسلامية كجبهة النصرة وتنظيم الدولة وغيرها، مثل جبهة ثوار سوريا وحركة حزم وبعض الفصائل بقيادة العقيد عبد الجبار العقيدي قائد المجلس العسكري لحلب سابقاً, كذلك بعض الالوية والفصائل التي طردتها داعش من أماكن سيطرتها مثل لواء ثوار الرقة بقيادة أبو عيسى وجماعة أبو محمد كفر زيتا ولواء أحرار الرقة بقيادة فرحان العسكر, كذلك هناك فصائل سريانية وأرمنية وتركمانية، حيث شهد بيان تشكيلها في 11 تشرين الأول 2015 الاعلان عن انضمام أكثر من عشرين فصيلاً إضافة لما ذكر سابقاً, كقوات الصناديد والمجلس العسكري السرياني وفصائل أخرى.
كان الهدف الاساسي لهذه القوات حسب البيان هو قتال تنظيم الدولة (داعش) وجبهة النصرة وقيام سورية دولة ديموقراطية, وتحرير المناطق التي سيطر عليها داعش، وقد خاضت هذه القوات عدة معارك في ريفي الرقة والحسكة استطاعت بموجبها السيطرة على عدة مواقع مثل تل ابيض وعين عيسى في ريف الرقة والشدادي في ريف الحسكة, كل هذه المعارك كانت بدعم أمريكي واضح وتغطية جوية لمعاركهم إذ اعتبرهم الأمريكان رأس الحربة والحليف الأبرز لهم في قتال التنظيم.
هذه الانتصارات جعلت الحديث عن تحرير الرقة مرتفع النبرة وبات كأنه قاب قوسين أو أدنى لكن ظروفاً إقليمية ودولية جعلت هذه القوات تتجه نحو منبج أحد أبرز معاقل التنظيم في الشمال السوري حيث سيطرت عليها بتاريخ 13/8/2016 بعد حصار دام قرابة الشهرين إنسحب بعدها التنظيم إلى جرابلس أحد معاقله على الحدود التركية.
كان تحرير منبج هو القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لقوات سوريا الديموقراطية، حيث بدأت عورات هذا التشكيل بالظهور
حيث لم يكن يجمع هذه الفصائل سوى رغبتها في قتال داعش وجبهة النصرة فيما كانت تختلف في تصرفاتها حيث استأثرت وحدات حماية الشعب الكردية بالقرار العسكري والسياسي، ما أثار حفيظة باقي الفصائل والتي كانت تمتعض من ممارسات الوحدات ضد السكان العرب من طرد وتهجير وتجريف الأراضي والمزروعات غير أن قلة دعم هذه الفصائل وعدم وجود شريك قوي يساندها جعلها تسكت على ما يحدث.
التغيرات السياسية في المنطقة والتقارب الروسي التركي وكذلك الانكفاء الامريكي الذي يعتبر الحليف الابرز لهذه القوات كما كانت تصرح انعكس سلباً على الأكراد عموماً وقوات سوريا الديموقراطية بشكل خاص, حيث حصل الأتراك على موافقة روسية بالتدخل في سوريا مع وعدهم بعدم دعم قيام دويلة كردية على الحدود التركية مما ترك لتركيا حرية التصرف في ملف الشمال السوري.
حاولت قوات سوريا الديموقراطية العودة مجدداً للمشهد من خلال محاولة السيطرة على الحسكة وانتزاعها من أيدي قوات النظام, لكنها لم تحصل على الدعم الامريكي المطلوب وكذلك كان للتدخل الروسي الذي فرض هدنة واتفاقاً لوقف النار السبب الأكبر في إيقاف هذه الاشتباكات.
الخذلان الاكبر القادم من تصريحات وزير الخارجية الامريكي هو ما أصاب هذه القوات بمقتل حين قال بأن الأكراد ليسوا حلفاءنا وإنما حاربوا معنا بمقابل مادي حيث قارب وصفهم بالمرتزقة.
الضوء الأخضر الروسي للأتراك ترجم على الأرض بتحرك عسكري تركي هدفه المعلن محاربة داعش ومنع الاكراد من اقامة دويلة لهم على الحدود التركية, حيث كان هدف الاكراد السيطرة على منبج وبعدها جرابلس والباب وبالتالي رسم حدود ما أطلقوا عليه (روج آفا) الممتد من الحسكة عبر عين العرب كوباني وتل أبيض مروراً بمنبج والباب وصولاً لعفرين.
هذا المخطط تم تخريبه عندما دعم الأتراك فصائل من الجيش الحر لتحرير مدينة جرابلس والتي شهدت سباقاً بينها وبين قوات سوريا الديمو قراطية للسيطرة عليها, حيث استطاعت فصائل الجيش الحر المدعومة من الحكومة التركية طرد عناصر داعش منها والاتجاه باتجاه مدينة منبج بعد تحذير تركي للأكراد وبموافقة روسية امريكية على انسحابهم إلى شرقي نهر الفرات.
هذه الانتصارات التي حققتها فصائل الجيش الحر, جعلت قوات سوريا الديموقراطية تنكفئ وتنحسر مما أدى إلى بعض التخلخل في صفوفها وهي الهشة أصلاً في تركيبتها غير المتجانسة, وأهدافها غير المتوافقة, خاصة فصائل الجيش الحر المنضوية تحتها حيث رأت في الدعم التركي بارقة أمل لعودة الجيش الحر كتشكيل عسكري, حيث شهدت الأيام الأخيرة عدة تسريبات منها انضمام جبهة حق وجبهة ثوار سوريا وحركة حزم لعملية درع الفرات وهي العملية التي اطلقتها فصائل الجيش الحر بدعم الجيش التركي لتطهير المنطقة من داعش والأكراد.
كذلك ما حصل من خلاف بين لواء التحرير بقيادة أبو محمد كفر زيتا والمتواجد في منطقة الكنطري والأنباء الواردة عن توجهه للحدود التركية وتسليم نفسه بعد انتقاده تفرد الوحدات الكردية بالقرار ومن ثم الانباء الواردة عن اشتباكات بين القوات الكردية ولواء أحرار الرقة بقيادة فرحان العسكر في عين عيسى لأسباب مجهولة.
هذه التسريبات ان كانت صحيحة فهي ربما تكون بداية النهاية, لتحالف قوي قام على المصلحة وعلى الدعم الامريكي المبهم الذي سرعان ما تخلى عنهم, نتيجة قصور في الرؤية لدى القائمين على هذه القوات حين اعتقدوا ان الأمريكان قد يضحوا بمصلحتهم مع دولة اقليمية كبرى مثل تركية عضو في حلف الاطلسي وبموقع متقدم في الشرق الاوسط في سبيل تحقيق احلامهم التوسعية والانتقامية.
هي بداية النهاية لمشروع قام على المصلحة الآنية لذلك ربما يكون تصدعه وتفككه سريعاً فهو أمر طارئ على المشهد العام وربما يكون دوره قد بدأ بالأفول, حيث اللعبة السياسية تعتمد على اللاعبين الكبار في مسرح الأحداث بما يحقق توازنات في المنطقة على حساب الأحلاف الصغيرة
إذاً هي بداية النهاية لمشروع “قسد” وبذات الوقت هي ربما تشهد عودة لفصائل الجيش الحر للواجهة من جديد وربما العودة بتشكيل جديد بدعم تركي واضح على الأرض.
عذراً التعليقات مغلقة