لا تبدو ردة الفعل الإماراتية حول تداعيات انتشار فيروس كورونا في إيران، وقضية إرسالها للمساعدات الإنسانية الطبية لهذا البلد منطقية أو مقنعة للمشاهد العربي، خاصة أن شعار “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”، والذي رفعه بن زايد لاحقاً في أول اتصال له مع بشار أسد منذ اندلاع الثورة السورية، كان حصراً بحلف “الممانعة”، وعلى رأسه طهران، التي كانت في طليعة الأهداف التي نالت منها البروباغاندا الإماراتية منذ بدايات عام 2010.
هذه المساعدات الطبية والتحركات الإمارتية، رغم أنها تأخذ طابعا إنسانيا، إلا أن شهوات المطامع الإقليمية للإمارات تشوبها بوضوح، حيث تستخدمها كأداة للدفع بمشروعها الإقليمي.
وفي الحقيقة استغلت الإمارات عداءها لإيران فيما يخدم أجندتها، سواءً الداخلية أو الخارجية، وحولت هذا العداء لأداة لتحقيق مصالحها ومطامعها الإقليمية، سواءً في اليمن أو سوريا أو حتى ليبيا.
بمراجعة بسيطة للماضي، نجد أن قضية العداء الإماراتي لإيران خلال السنوات الماضية لم تتجاوز حدود وسائل الإعلام والتصريحات الرنانة بين الطرفين.
صحيح أن الطرفين كانا مختلفين بوجهات النظر السياسية وفي العديد من الملفات الإقليمية المهمة، لكن من وجهة نظر اقتصادية، فالأمر مختلف بالنسبة لأبو ظبي.
وصحيح أن “أبوظبي” كانت في طليعة الدول التي دعت الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران، إلا أن ذلك لم يترك أي تأثر ملحوظ على جانب التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأكبر دليل على ذلك هي أرقام التبادل التجاري السنوية بينهما، والتي تحتل فيها الإمارات المرتبة الثالثة بعد الصين والعراق.
وعلى الرغم من كل التطورات والتوترات السياسية والعسكرية الإقليمية، لعبت الإمارات العربية المتحدة دوراً مهماً في التحايل على العقوبات المالية والمصرفية والنفطية الأمريكية المطبقة ضد إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وخلال هذه السنوات، تمكنت الإمارات من تخفيف العقوبات الأمريكية المطبقة على إيران من خلال ثلاث طرق: توفير العملات والقطع الأجنبي لإيران، وشراء ونقل شحنات النفط الإيراني من خلال الشركات الوهمية والصورية، وإعادة التصدير بالنيابة عن إيران.
وتحقيقاً لهذا الهدف، تم إنشاء شبكات من الصرافين، وشركات الشحن الصغيرة، وعدد من المؤسسات المالية الوسيطة، والعديد من شركات الاستيراد والتصدير في الإمارات العربية المتحدة لتسهيل تلك الطرق الرئيسية الثلاثة للتحايل على العقوبات الأمريكية المطبقة على إيران.
وعلى مر هذه السنوات، تمركزت معظم الشركات والأفراد المتورطين في التحايل على العقوبات في دبي، واستفادت هذه المدينة الساحلية التي تحتوي على موانئ أكثر تجهيزاً وأقل خطراً مقارنة بغيرها، بشكل كبير من أنشطة هذه الشبكات المالية، التي وصل معدل تبادلها التجاري لأكثر من 19 مليار دولار.
قد يقول قائل: إنه في أعقاب الهجوم المباشر على منشآت النفط السعودية في أواخر سبتمبر/أيلول 2019، الذي ضلعت بتنفيذه إيران، وقوبل بصمت غريب من جانب الولايات المتحدة، اتضح لـ”أبو ظبي” أنه لا يمكن لجم النظام الإيراني باستخدام القوة العسكرية، مما دفعها لتغيير استراتيجيتها تجاه إيران بشكل كبير، لكن لماذا بقيت “أبو ظبي” تتعاون اقتصادياً مع النظام الإيراني، مع عملها المسبق أن كل قرش سيدخل جيب هذا النظام سينفقه على دعم ميليشياته في المنطقة، وتطوير منظومته الصاروخية، وبرنامج طائراته المسيرة؟.
أو لماذا أعادت الإمارات فتح سفاراتها في دمشق، وأعادت علاقاتها مع نظام الأسد، تحت ذريعة إبعاد هذا النظام عن الحضن الإيراني، وذلك بعد رفعها شعارات محاربة الوجود الإيراني في سوريا خلال الأعوام الماضية، مع علمها المسبق أن التحالف بين هذين النظامين هو تحالف عضوي، لا يزول إلا بزوال أحد النظامين؟.
أما فيما يتعلق باليمن، رفعت الإمارات شعار محاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران في التحالف الذي تقوده السعودية، لتستغل فيما بعد انشغال الحليف السعودي في ترتيب بيته الداخلي، وتعمل على تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في هذا البلد.
وركزت الإمارات جهودها للسيطرة على مدن الموانئ الجنوبية في اليمن، بما في ذلك ميناء عدن الاستراتيجي، ودعم المقاتلين الانفصاليين التابعين للمجلس الانتقالي في اليمن للحصول على الدعم المحلي.
حتى أنه في 9/ 7/ 2019، أعلنت الإمارات سحب قواتها العسكرية من مدينة الحديدة الساحلية اليمنية، لكنها عملت على إعادة انتشار قواتها في مناطق أخرى، مبررة أن القوات الإماراتية بحاجة إلى التركيز على “مواجهة إيران، وتسليط الضوء على نجاح أبو ظبي في تهميش الحوثيين كقوة سياسية رئيسية في جنوب اليمن”.
اليوم تتساقط صواريخ الحوثيين وطائراتهم الانتحارية فوق الرياض وبقية المدن السعودية الأخرى والقوات السعودية المنتشرة في اليمن، في حين تبقى الإمارات السبع في مأمن من هذه الضربات، وتبقى قواتها العسكرية أيضاً في مأمن بعد إعلان المتمردين الحوثيين عن التوقف عن ضرب الأهداف الإماراتية، واكتفائهم بضرب الأهداف السعودية فحسب.
من ناحية أخرى، استغلت الإمارات قضية عدائها لإيران في واشنطن أيضاً، وذلك من خلال ادعائها دعم سياسة الضغط الأمريكية القصوى ضد إيران، وتظاهرها أمام واشنطن بأنها حليف يمكن الاعتماد عليه، مما جعل الولايات المتحدة تغض الطرف عن انتهاكات الإمارات الفظيعة للقوانين الدولية، ودعمها للانقلابي حفتر ضد حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا.
إن قضية العداء الإماراتي لإيران لم تتجاوز يوماً حدود وسائل الإعلام، والتصريحات الرنانة، فالطرفان يتضاربان فوق الطاولة، في حين يتصافحان بودٍ تحتها، بل وفي أغلب الأحيان استغلت الإمارات قضية عدائها لإيران لتلميع صورتها وتشويه صورة الآخرين في العالم العربي، والعمل بخفية لتحقيق مصالحها الداخلية، وتنفيذ أجندتها الإقليمية.
صحيح أن إيران أزعجت الإمارات أحياناً، إلا أنها لا تمثل تهديداً خطيراً لأهداف وخطط حكام “أبوظبي”، بل إن التظاهر بعداء طهران كان أداة ناجعة في يد أبو ظبي لتعزيز سلطتها على الإمارات السبع وجلبهم جميعاً تحت مظلتها، وذلك من خلال التلويح بالخطر الإيراني المتاخم.
إن حدوث تسارع فيما أطلق عليه مؤخراً “التغيير في سياسة الإمارات تجاه إيران”، يأتي في ظل تنامي المطامع الإقليمية لحكام أبو ظبي، خاصة بعد نجاحهم في الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في عام 2013، ومساعدة الانقلابي حفتر على لعب دور في العملية السياسية الليبية في عام 2014، مما أعطى بن زايد الثقة في أنه يمكنه استخدام قوته لتوسيع إمبراطورتيه المالية والتجارية، وجلب النظام الإيراني نحو جبهته في ملفات إقليمية يمكن أن يصب التعاون فيها بمصلحة الطرفين.
عذراً التعليقات مغلقة