هدى بلال- حرية برس:
يُعّرف العنف الأسري اصطلاحاً بأنّه إلحاق الأذى بين أفراد الأسرة الواحدة؛ كعنف الزوج ضد زوجته، وعُنف الزوجه ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كلاهما اتجاه الأولاد، أو عنف الأولاد تجاه والديهم، حيث يشمل هذا الأذى الاعتداء الجسدي، أو النفسي، أو الجنسي، أو التهديد، أوالإهمال، أو سلب الحقوق من أصحابها، وعادةً ما يكون المُعنِّف هو الطرف الأقوى الذي يُمارس العنف ضد المُعنَّف الذي يُمثّل الطرف الأضعف.
تروي السيدة فاطمة (44 عاما) لحرية برس: لم يكن العنف شيئاً جديداً في حياتي الزوجية فزوجي كان يضربني لأتفه الأسباب، ويشتمني لأنه يعتقد أن الرجل الحقيقي هو من يفرض سيطرته على بيته بالقوة.
وتردف فاطمة: حاولت كثيراً تجنبه، حاولت كثيراً تنفيذ طلباته، لكنني في كل مرة ألقى نفس المعاملة، ولم يكن أي أحد من أهلي أو أهله منعه عن ضربي وكانت الذريعة دائماً لديهم : يجب علي أن أصبر فكل الرجال برأيهم تغضب وتضرب).
شام (22 عاما) بيّنت لحرية برس: لقد كان زوجي يضرب ابني الذي لم يتجاوز العامين بشكل لايرحم ، مخلفاً آثار وكدمات على جلده وفي كل مرة كنت اعترض كان يقول لي دعيني أربيه ليحسب لي حساباً عندما يكبر فالعصا برأي زوجي جاءت من الجنة لأن والده رباه على هذه الطريقة وهو أيضاً سيربي ولدنا بالضرب والعنف والتخويف.
وتابعت شام:لقد كانت نتائج الضرب مأساوية على طفلي إذ أصيب بمرض التبول اللاإرادي وبات يخاف من أي أحد يقترب منه في كل مرة كنت أغضب من زوجي لفعله؛ كان يجيبني “فهمنا يا مرة بكرى بيكبر وبيصير رجال وبيتشكرني على تربايته”.
أما نادية (30 عاما) أوضحت قائلة “لقد أمضيت سنوات طويلة وأنا أحيا مع زوجي حياة لا يعكر صفوها شيء، إلا أن مأساتي معه بدأت بعد أن أصيب أثناء القصف باصابة خطيرة، أدت ليكون طريح الفراش، فأصبح من واجبي أن أعمل وأعيل أسرتي. في كل مرة أعود بها من عملي كان يقابلني بالصراخ والشتيمة، تارة يتهمني بالخيانة، وتارة يتهمني بممارسة الرذيلة”.
وأضافت: في كل مرة كنت أصمت ولا أجيب ولكنني بمرور الوقت لم أعد أحتمل إهانات زوجي لقد أصابني الوهن والحزن الشديد بت أميل للعزلة والانقطاع عن الناس.
أما أبو حسين (60 عاما) فيقول “منذ أن توفيت زوجتي وأنا أقيم في منزل ولدي الأكبر أعيش وكأنني ضيف ثقيل أو لاجئ ذليل فزوجة ابني تعاملني بسوء في كل مرة أطلب منها شيئاً ما تصرخ في وجهي أنا ماني خدامة عندك …إذا بدك تضل تنق هيك بدي أرميك بدار العجزة”.
وأضاف أبو حسين قائلاً: لا حل لدي ولا وسيلة لتتحسن معاملتها السيئة لي، فولدي لا يخالف لها رأي فهي سليطة اللسان في كل مرة كان ولدي يؤنبها بسبب معاملتها السيئة لي كانت تصرخ أنا ماني خدامة حدا ولم تكتف بتهديدي فقط بل باتت تهدد ولدي بأنها سوف تذهب وتتركنا وأنا لا أريد أن أكون سبباً في دمار حياة ولدي خاصة أنه أب لثلاثة أطفال صغار فما كان مني إلا أن بت أمضي معظم وقتي بين المسجد والحديقة حتى يحل المساء عندها أعود كي أتجنب إزعاج زوجة ابني”.
أسباب وجذور
أما عن أسباب العنف الأسري تقول السيدة علياء الناصر مديرة مكتب الدعم النفسي والاجتماعي في رابطة المحامين السوريين: من الممكن أن يكون الأطفال وسيلة ضغط عاطفية للتحكم بالطرف الآخر ومن أكثر ضحايا العنف المنزلي هن النساء والأطفال وكبار السن، وهذا لا يعني أن بعض الرجال لا يتعرضون لعنف لفظي أو سوء معاملة.
وعن دوافع العنف وأسبابه قالت الناصر: قد يكون منشأ العنف الأسري في بعض الحالات من دوافع اجتماعية منشؤها العادات والتقاليد موروثة عن الأباء والأجداد وبعضها دوافع اقتصادية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي ناتج عن فقدان وظيفة أوتراكم ديون فيتبدل سلوك الفرد المعنف نتيجة الضغوطات النفسية وخاصة في فترات النزوح وارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة والتي ماتزال نتائجها تتفاقم مع انتشار جائحة الكورونا.
وقد تكون دوافع ذاتية عند بعض الأشخاص نتيجة الشعور بالنقص أو الإفراط في تناول الكحول وتعاطي المخدرات، وقد تستمر نتائج العنف على الأطفال الذين اعتادوا مشاهدة العنف في منازلهم فباتوا يمارسونه كشيء عادي، وقد يعود العنف لأسباب صحية وخاصة أن بعض النساء في فترة الحمل تتغير طبيعة جسمها فيزيولوجياً بارتفاع بعض الهرمونات في جسمها فتصبح أكثر عصبية وأكثر عنفاً وربما يكون بسبب فقدان أحد أفراد الأسرة.
آثار خطيرة
ومع انتشار جائحة كورونا والحجر المنزلي بات العنف يزداد فالأشخاص الذين فقدوا نشاطهم اليومي باتوا أكثر توتراً وانعكس توترهم على أبناء أسرتهم وخاصة الأسر التي تتميز بكثرة عدد أطفالها ومن المعروف أن الأطفال بحاجة لتفريغ طاقاتهم وخاصة بعد أن خسروا مساحات لعبهم في الحدائق، ولم يعد بإمكانهم الذهاب إلى المدرسة، بالإضافة أن العزلة في المنازل تؤدي للتوتر النفسي وخاصة بانعدام الزيارات الاجتماعية في ظل جائحة كورونا.
وعن الآثار المترتبة عن العنف الاسري أوضحت (الناصر) أن الأشخاص المعنفين يمتازون بسرعة الغضب والسلوك الهجومي العدواني، ومن الممكن أن تكون الآثار بعيدة الأمد تؤدي مع مرور الأيام لضعف الثقة بالذات وحصول مشاكل نفسية كالاكتئاب والقلق اضطرابات بالنوم ومن الممكن للشخص المعنف أن يتعاطى عقاقير حبوب مهدئة أو حشيش أو مخدرات، وقد يؤدي العنف الجسدي إلى جروح وكدمات وقد يؤدي العنف إلى التفكك الأسري قد يؤدي للطلاق، ويؤثر العنف على الأطفال الذين يكونون أكثر عرضة لمشاكل نفسية طويلة الأمد تؤثر على الصحة النفسية والعقلية التي تؤثر على مستقبلهم المهني ومن الممكن أن يصبحوا مستغلين من بعض الأفراد استغلالاً جنسياً وفي الغالب عندما يكبرون أن يمارسوا العنف مع أفراد أسرتهم وكأنه شيء اعتيادي.
وحول التشريعات القانونية التي تجرم العنف الأسري قال المحامي خالد حويج لحرية برس: لايوجد قانون خاص يجرم العنف الأسري وماتزال الجهود الحثيثة مستمرة من المنظمات النسائية لاستصدار قانون يجرم العنف الأسري، ولكن ثمة مواد تسمى مواد تخص الأسرة المادة 469 وحتى المادة 88 تتعلق بالسفاح وخطف الأولاد والزنا وإهمال واجبات الأسرة قانون العقوبات جاء محدد العقوبات جرائم ابتداء من جرائم الذم والتحقير والإعتداء الجسدي وتسبب العاهات وانتهاء بالقتل وكل الجنايات والجنح التي تعرض الانسان للخطر -سواء كان ذكرا أم أنثى- وأضاف حويج ومن هنا يحق للنساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري أن يتقدمن بشكوى للقضاء ضد أي معتدي عليهن.
لكن (حويج) نوه إلى أن واقعنا العملي وطبيعة مجتمعاتنا العربية يجعل من النادر أن تلجأ النساء للقضاء للشكوى على أزواجهن اتقاء لانتقدات المجتمع المحيط و خوفا من الفضائح والطلاق.
أما عن دور الإعلام في التنبيه لمخاطر العنف الأسري رأت الصحفية فاطمة عثمان في حديث لحرية برس أن للإعلام دورا كبيرا في التنبيه من مخاطر العنف الأسري ويقع على عاتقه أن ينشر الوعي وتبيين حقوق المرأة وواجباتها وخاصة أنها الأكثر تعرضا للعنف الأسري من خلال برامج توعوية وإجراء حوارات مع حقوقيين ومحامين لتعريفها بحقوقها
وأضافت العثمان إن على الإعلام نشر ثقافة نبذ العنف والتعريف بنتائجه النفسية البالغة الخطورة من خلال التقارير المرئية والمكتوبة والمسموعة خاصة أن نتائج العنف الأسري قد تؤدي إلى تفشي الجريمة في المجتمعات الأكثر عنفا.
عذراً التعليقات مغلقة