سوري في غياهيب الاتحاد الأوروبي، جملة ليست بعيدة عن تجارب اللاجئين السوريين مثل خالد الجزار (27 عاماً) الذي ليس استثناء من هؤلاء سوى أن تجربة لجوئه كانت بدون يدين وبقدم منكوبة، ويقول لمهاجر نيوز “اندلعت الثورة السورية حينما كنت في ريعان الشباب، فقدت ذراعي وأصيبت قدمي بانفجار أثناء محاولتنا إنقاذ المدنيين ممن قصفهم النظام”.
ولد الجزار وعاش في قرية ابديتا بريف إدلب السورية، ولم يكن يتوقع أن تتغير حياته في دقائق، فبعد قصف مدفعي على منزل للمدنيين راح ضحيته شخصان وأصيب آخرون، “قتل صديقي واحترق جثمانه، وسقط المنزل فوقي”. بقيت الجراح تذكره بما مضى، مستعرضا صور إصابته عبر هاتفه النقال، “أعاني جدا من آلام في قدمي، أحيانا يصعب المشي عليها، وأحيانا كثيرة تظهر تقرحات فيها”.
رحلة العلاج التي مرّ بها لم تكن سهلة، كما يصفها، “قدمي أصيبت بشكل بالغ، تقرحات وآلام والتهابات شديدة، توقف قلبي مرتين أثناء العملية الجراحية في سوريا”. أمضى الجزار شهورا في المشفى والتقى هناك شاباً سورياً يقيم في إيطاليا، يدعى بأبو النور، “لا أعرف اسمه الحقيقي حتى اللحظة، لم يذكره لي بتاتا، إنه رجل غامض”.
أبو النور اقترح أن يساعد الجزار للحصول على فيزا إيطالية، وبعد بضعة أشهر استطاع أن يحصل على شنغن مع مرافق، مكنته من الانتقال إلى أوروبا، “رافقني جاري بالرحلة، لأن أهلي لا يملكون جوازات سفر، وبسبب معارضتنا للنظام فمن المستحيل التوجه لمناطق تحت سيطرته”.
حاول الجزار الحصول على علاج في إيطاليا، “تأملت تركيب أطراف صناعية، ولكن أخبرني المختص أنها لا تناسبني”. ومن وحي اليأس وصعوبة الظروف هناك قرر خالد الانتقال إلى ألمانيا، “قدمت طلب لجوء في ألمانيا، وتنقلت بين المستشفيات للعلاج، وكان للصليب الأحمر فضلا كبيرا علي في ذلك”
وحيد في ألمانيا
حصل الجزار على إقامة في ألمانيا بعد أشهر من تقديم اللجوء، ويعيش حاليا في مدينة دويسبرغ بولاية شمال الراين ويستفاليا، أمضى فيها وقته بين العلاج وتعلم اللغة، “بسبب وضعي الصحي الصعب، لم أتمكن من الاستمرار بتعلم اللغة، رغم أني أتحدثها بشكل جيد”.
حصل خالد على اللجوء في ألمانيا بعد رحلة شاقة
وقام مع خمسة من رفاقه بإنشاء مشروع إنساني لجمع التبرعات للاجئين في سوريا والعائلات في المخيمات “نحاول حاليا أن نحصل على أوراق قانونية، تكون كفيلة بأن يصبح عملنا أكثر فاعلية”.
كانت الأيام في المدينة تمر رتيبة ومملة له “بعد أن أنهيت دروس اللغة، كنت أبقى وحيدا أغلب الوقت”. ورغم أن أخاه مقيم في ألمانيا أيضا إلا أن انشغالاته كفيلة بأخذ الكثير من وقته، “يساعدني أخي كثيرا، ولكن لديه عائلة، ولا يستطيع التواجد طوال الوقت معي، ولهذا قررت الزواج”.
قرر خالد الجزار الزواج من فتاة مقيمة في سوريا، على أن يطلب لها تأشيرة لم شمل لتلتحق به في ألمانيا. لكن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF- بامف) رفض الطلب بحجة عدم اكتمال الأوراق، إذ أن زوجته “ليس لديها جواز سفر ولا أوراق ثبوتية ولا تستطيع أن تحصل عليها من مناطق النظام” إلا دائرة اللاجئين أصرت على ضرورة اكتمال الأوراق والوثائق المطلوبة من أجل الموافقة على لم الشمل.
زوجته مريم ليست غريبة عنه فهي ابنة قريته ومن معارف عائلته “تعرفنا بشكل أكثر على بعضنا البعض من خلال الإنترنت. فقدت زوجتي عددا كبيرا من أفراد عائلتها ومنزلها خلال قصف جوي” ويضيف بأنه حين طلب “بامف” أوراقاً من زوجته كانت هي برفقة أهله تعيش تحت أشجار الزيتون بعد تدمير منزلهم. ويقول خالد رغم أنه لا يحب الطرق غير القانونية، إلا أنه اضطر إلى استدانة المال لتهريب زوجته إلى اليونان عبر تركيا، تستطيع بعد ذلك اللحاق به في ألمانيا.
عالق في اليونان
توجه خالد مع أخيه إلى اليونان قبيل أزمة كورونا وتفشي الوباء في أوروبا، على أمل أن يجلب زوجته إلى ألمانيا. إلا أن إعلان إغلاق الحدود بسبب الجائحة أدى إلى صعوية التنقل، وعلق مع زوجته وأخيه في أثينا، “استأجرنا غرفة منذ شهر، السكن ضيق، وليس فيه أدنى المقومات”.
يعاني خالد حاليا من ألم شديد في قدمه كما يقول، ويشاركنا خلال حديثه عبر الواتساب صور الجروح فيها، “لا أستطيع الخروج من المنزل الآن بسبب حظر التجول، وأخشى أن يتسبب هذا لي بمشاكل قانونية”. ولهذا لم يتمكن حتى اللحظة من الحصول على علاج، “اقتنيت بعض المراهم الطبية، و أستخدمها حاليا”.
تواصل خلال هذه الفترة مع موظفة من الصليب الأحمر، “اعتادت أن تساعدني لمدة 3 أعوام حتى تمكنت من تدبير أموري، وآملت أن تتمكن من مساعدتي وأنا عالق هنا أيضا”، قامت الموظفة بالتواصل مع السفارة الألمانية في اليونان عدة مرات، “ولكنها لم توفق حتى اللحظة”.
الجزار عالق الآن في اليونان، يعاني من آلام شديدة في قدمه ووضع صحي صعب، “لا أستطيع الذهاب للمستشفى، وسبيلي الوحيد هو تعقيم جروحي، على أمل أن تفتح الحدود بين الدول الأوروبية من جديد” ويتمكن من العودة إلى ألمانيا.
عذراً التعليقات مغلقة