الاعتذار ثقافة، هذا ما يقوله الكثيرون، لكنها ثقافة لم يعتد عليها جيلنا العربي الحديث على أقل تقدير، والمقصود بالاعتذار هنا هو اعتذار من هم في قمة الهرم الاجتماعي والسياسي، من هم في السلطة.
النخب العربية، خاصة السياسية منها، لا تملك ثقافة الاعتذار بسبب تمسكها بما آمنت به من قيم تربت عليها في مؤسساتها وأحزابها السياسية، وتمترست خلفها، ما جعل تلك الثوابت مقدسة لا يطالها النقد، وبالتالي فإن أي متحدث باسمها تشمله تلك القداسة، ما يجعل الاعتذار حتى لو كان الخطأ واضحاً نوعاً من المساس بتلك القداسة.
الاعتذار الوحيد الذي تذكره الجماهير العربية هو اعتذار جمال عبد الناصر عن هزيمة 67، الذي كان اعتذاراً مدروساً خاطب مشاعر الجماهير من دون أن يمس بهالة عبد الناصر، جعلها تتعاطف معه بدلاً من لومه على هزيمة كان السبب الأكبر فيها هو الصراع الداخلي بين مراكز القوى في مصر، الذي كان ناصر طرفاً فيه.
بعد انطلاق ثورات الربيع العربي وتفتح الوعي العربي وانتشار أساليب المعرفة والتواصل ونقل الأخبار في لحظتها، أصبح تناقل الهفوات والأخطاء والسقطات أكثر سرعة وأسرع انتشاراً من ذي قبل، ما جعل أي كلمة تمس الحالة الشعبوية للجماهير يجعلها تنتفض دفاعاً عن نفسها.
هذا الحشد الذي يمارس ضد أي خطأ حتى لو لم يكن مقصوداً فرض حالة جديدة على النخب التي يتم تسليط الضوء على جميع تصرفاتها وتحركاتها ومتابعة كلماتها، الأمر الذي يضطرها إلى مراجعة ما تقوم به، وتحت الضغط الشعبي كان لابد لتلك النخب أن تراجع سياسة الاعتذار عندها.
ومع سيطرة فكرة “الأنا” لدى تلك النخب، إضافة إلى قدسية المعتقدات السياسية والاجتماعية والدينية والخوف من المساس بها لدى البعض جعلها تبحث عن طريقة جديدة في الاعتذار لاتمس بتلك القدسية.
نعم أعتذر، لكنني لم أخطئ! هذا ما تفتقت عنه ذهنية المعتذرين بتحميل المُعتذَر منهم مسؤولية عدم فهم ما يريدون الحديث عنه، وبالتالي إخضاعهم إلى دوامة عدم فهم وإدراك ما يرمون إليه.
اعتذار بلغة التقريع واللوم وتثبيت قدسية الأفكار واتهام الآخرين بعدم القدرة على الفهم والإدراك!
نعم أعتذر.. لكنكم لا تفهمون.. هكذا يعتذر المخطئون الجدد.
عذراً التعليقات مغلقة