معتقل سابق..

محسن بابات13 مارس 2018آخر تحديث :
معتقل سابق..

في هذه الأيام يكون قد مضى على دمنا المسفوك سبع سنوات وماتزال سيول الدم الجارفة تشق طريقها على تراب وطن تشبّع بالدم، بينما السماء منعت عنه خيرها فعبقت رائحة الموت في كل ركن من أركانه، واليوم ومع مزيد من التغوّل والتوحش الغير مسبوق واللاموصوف إنسانياً بحق أهل الغوطة يكون العجز قد أحكم تكبيلنا، وباتت دموعنا المنهارة على خدودنا دليل نفاقنا على لجم أو محاولة منع ذلك الموت اليومي.

في حمص كانت رائحة الدم أكثر تركيزاً ونفاذاً، كيف لا وقد حظيت بحصة الأسد من التوحش والعنف ومع بدايات نزول الشعب للشارع للمطالبة بحريته وكرامته المهدورة.

ازدادت وحشية الأسد بعيد اعتصام الساحة في 18 نيسان 2011 حيث كان نقطة تحول في الثورة السورية ورسالة واضحة للنظام بأن الشعب ماض في ثورته وخاصة أنه ضم في جنباته فسيفساء الشعب السوري، مما زاد في هيجان النظام وجعل من تلك الليلة وما تلاها حتى يومنا هذا ليالي رعب حقيقي، فكان صوت الرصاص هو الصوت الوحيد المسموع وكانت صباحات اليوم التالي شاهداً على وحشية وحقد لم تعرف له البشرية مثيل، فلا يكاد يوم يمضي دون وجود لأجساد نهشها الغول ملقاة على قارعات الطرق في حمص الأبية ولم تخل جلسة بين أبناء الوطن إلا والحديث يدور عن رصاصات اخترقت بيووت الأهالي، فمنها ما أصاب إنساناً بمقتل ومنها من طاش عن رأس أو جسد إنسان فمزقت هدوء ليل سكنت إليه عائلات ترتجي أن يكون غدها أفضل.

ومع مرور الأيام وتمسك الشعب بنيل حريته لم يكتف الوحش برمي الرصاصات بل حولها لقنابل والقنابل تطورت لقذائف صاروخية ومنها لبراميل الموت، واليوم لم يعد يشفي غليل المجرم استخدامه لشتى أنواع الأسلحة التقليدية فبات يستخدم المحرم منها دولياً وبشرياً كالفوسفور والنابالم وغيرهما ولم يكفيه السلاح فاستخدم أساليب التعذيب التي لم يسبقه إليها أحد فكانت صرخات الأحرار يرتج لصداها كل أرجاء الوطن بالرغم من أنها كانت تنسل من داخل أقبية عميقة مظلمة.

واليوم وأمام المشاهد والصور التي يوصلها لنا أهلنا في المناطق المحاصرة وخاصة الغوطة منها التي تتلقف كل أنواع الغل والحقد وقصص العذابات والآهات الصادرة عن معتقلات ومعتقلين لا يعرف النوم سبيلاً لعيونهم بات وجعنا عليهم موجعاً لهم ودموعنا المنهارة لمأساتهم أسيد يزيد جراحهم التهاباً ونزفاً، فهم لا يعنيهم ولن يحررهم ولن يفك قيودهم هذا الوجع الذي نمارسه عبر كتابات على صفحات تواصل أو مواقع الكترونية.

فمآسي معتقل سابق في سجون الأسدين الأب والأبن يخطها عبر مقالات على جرائد الكترونية أو منشورات على صفحته الشخصية لا تقاس ولا يمكن قياسها بجزء من ألم يمارس اليوم بحقهم، كما تلك الرصاصة التي مزقت قميص شاب كان معلقاً على حبل الغسيل فأوجعت والدته ولم تترك مجلساً لها إلا وتحدثت عنها وهي تغص بدموعها بينما الآلاف من الشباب يستشهدون برصاصٍ وقنابلٍ وصواريخ.

فيا أيها المعتقل السابق ومع احترامنا وتقديرنا لنضالك وتفهمنا لوجع ألمّ بك في سابقات الأيام، وأيتها الأم المكلومة على قميص مزقته رصاصة أو شباك تشظى بلوره بسببها، ويا أيها الثوري وأنا منكم طبعاً الذي يتألم وهو ينام على فراش آمن في بلاد المهجر، إن لم نكن نملك بين أيدينا ما يمكن ممارسته على الأرض فلا معنى لكل آلامنا ودموعنا ولا معنى لسرد ذلك كلمات لن تستطيع فك قيود ولو معتقل واحد أو إطعام جائع محاصر أو تبديد الغازات السامة بالجو قبل استنشاقها من قبل أطفالنا المحاصرين.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل