النظام السوري: حركة تصحيحية ثانية تعيد تعويم بشار الأسد داخلياً

بسام يوسف10 أغسطس 2023آخر تحديث :
النظام السوري: حركة تصحيحية ثانية تعيد تعويم بشار الأسد داخلياً

عندما انفجرت الثورة السورية في آذار 2011م، اعتقد النظام السوري أنه قادر ببساطة شديدة على وأدها بقليل من الترغيب وبكثير من الترهيب، لكن معرفة السوريين العميقة به، وببنيته، وبوعوده الكاذبة أفقدت عنصر الترغيب أهميته، وجاءت نصائح إيران وحزب الله لتحسم الأمر، فذهب النظام -بمساعدة منهما- إلى خيار القمع العاري.

تسبّب خيار القمع الشديد بتأجيج نار الثورة، وباتساع مساحتها لتشمل الجغرافيا السورية كلّها، وبدأت حلقة العنف والعنف المضاد تزداد حضوراً في المشهد اليومي السوري، فاتخذ النظام قراره بزج الجيش في مواجهة الشعب، وكان هذا أيضاً بنصيحة من حليفه (الولي الفقيه وميليشياته “حزب الله”، و”الحرس الثوري الإيراني”)، الأمر الذي تسبب بتصدع بنية الجيش، كنتيجة منطقية لأي مواجهة بين جيش وشعبه.

من أجل إضعاف موجة العنف المتوجهة للنظام، والتي ولّدها قمعه الدموي السافر، لجأ النظام إلى تشتيتها، وحرف مسارها عبر فتح مسارات أخرى لها داخل المجتمع السوري، أي أن موجة العنف ضده لم تعد متماسكة، إذ تحول قسم كبير منها من الشعب إلى الشعب، ولم يكن هذا صعباً على النظام، فالصدوع العميقة داخل بنية المجتمع السوري، والتي خبرها ورعاها النظام جيداً، كانت أرضاً خصبة لتحويل مسار الصراع وإلباسه أوجهاً أخرى.

لم يتخذ العنف المتولّد داخل المجتمع السوري شكل الحرب الأهلية، والتي حرصت جهات إعلامية، وسياسية، دولية ومحلية على استعمال مفردتها لتبرير سياساتها المتواطئة، أو لتبرئة جزئية للنظام من الجرائم التي ارتكبها، وظل العنف المسلح بقسمه الأعظم محصوراً بين فصائل مسلحة محسوبة على المعارضة من جهة، وبين مؤسسات النظام العسكرية والأمنية، ومعه روسيا والميليشيات الحليفة من جهة أخرى، لكنه – أي العنف – تسبّب بما هو أكثر خطورة من نتائجه العسكرية، إذ تسبّب بانفراط المجتمع السوري، وانقسامه وتشظيه.

اليوم، وبعد مسار طويل من صراع تكشّفت فيه حقائق كثيرة، وتوضّحت فيه أسئلة عديدة، لم يعد بإمكان النظام الاعتماد على الرواية التي اخترعها، كي يفتت المجتمع السوري عند انطلاق الثورة

كانت الطائفية، والمناطقية والقومية وغيرها، من التصنيفات التي تساعد على تشظي المجتمع السوري أدوات أساسية في خطة النظام، الذي غلف كل هذه الأدوات بخطاب مكرور حول المؤامرة الكونية على محور المقاومة، وقضية فلسطين، والإرهاب والتطرف وما إلى ذلك من الشعارات الكاذبة، والتي اعتاش عليها منذ زمن طويل، ولا يزال يكررها بصفاقة تدعو للاستغراب، حتى بعد أن انفضح كذبها.

اليوم، وبعد مسار طويل من صراع تكشّفت فيه حقائق كثيرة، وتوضّحت فيه أسئلة عديدة، لم يعد بإمكان النظام الاعتماد على الرواية التي اخترعها، كي يفتت المجتمع السوري عند انطلاق الثورة، فمن تبقى من المجتمع السوري في مناطق سيطرته، هم من دعاهم رأس النظام في مرحلة سابقة بالمجتمع المتجانس، ومن وصفهم بالمدافعين عن الوطن في وجه المؤامرة والإرهاب، فكيف سيبرر قمعه لهم وهو الآن أمام احتمال انفجارهم ضده؟

لا بديل لدى النظام عن وأد أي محاولة للقيام ضده، ولا حلول لديه لكي يقدمها للسوريين في مناطقه، فهم جوعى، ومحاصرون، وفاقدون للحد الأدنى من مقومات الحياة، والفرص التي جاءت من الغيب بعد الزلزال الذي ضرب سوريا، واستثمرها النظام جيداً، فقام بسرقة القسم الأعظم من المساعدات التي قدمت للسوريين المتضررين منه، واستفاد من تجميد أميركا لقانون عقوباتها عليه مدة ستة أشهر، وتنفّس الصعداء عندما استطاعت أطراف عربية إعادته لشغل مقعده في الجامعة العربية، لا بل قامت بوضع خطة لتعويمه من جديد، كل هذه الفرص ضاعت، فها هو الوضع الاقتصادي يصبح أسوأ بكثير، وأميركا تعيد العمل بقانون عقوباتها، والخطة العربية تلفظ أنفاسها الأخيرة، فكيف سيجد جهابذة هذا النظام حلا لمأزقه الخطير في ضوء كل هذه التفاصيل؟

كل هذا السيناريو والذي سوف تدعمه كل من روسيا وإيران في حال تبنيه، سيتم تحت عنوان عريض هو: بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة بصفته قائداً لهذه الحركة التصحيحية، والتي من المُفترض أن تُخرج سوريا من كارثتها

يبدو أن بعض جهات النظام تفكر باختيار سيناريو كارثي جديد، يمكن تسميته بـ”حركة تصحيحية ثانية”، ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:

  1. تحميل قسم من قيادات حزب البعث بصفته قائدا للدولة والمجتمع، مسؤولية السياسيات الخاطئة التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه.
  2. الدعوة لعقد مؤتمر قطري لحزب البعث، يتم فيه الإطاحة بعدد كبير من قياداته، وتحميلهم المسؤولية.
  3. إعادة ترتيب جبهة سياسية على غرار الجبهة الوطنية التقدمية، التي اخترعها حافظ الأسد، لكن بأحزاب جديدة وبميثاق جديد، وقد تضم بعضاً ممن يطلقون على أنفسهم معارضة الداخل، ومن يوافق من معارضة الخارج.
  4. الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة وفق أسس جديدة، بلا حصص حزبية.
  5. النفخ في قضية الإدارة المحلية، وتقديمها للسوريين على أنها حل ديمقراطي، يتيح لهم قيادة أمورهم كما يرغبون.

بالإضافة إلى بعض القوانين الشكلية المتعلِّقة بالحريات أو بالمعتقلين، وبقوانين اقتصادية مثل تعويم الليرة أو وقف الدعم..إلخ.

كل هذا السيناريو والذي سوف تدعمه كل من روسيا وإيران في حال تبنيه، سيتم تحت عنوان عريض هو: بقاء بشار الأسد في موقع الرئاسة بصفته قائداً لهذه الحركة التصحيحية، والتي من المُفترض أن تُخرج سوريا من كارثتها.

يمكن القول ببساطة شديدة: إن هذا السيناريو العبثي، يشبه إلى حد كبير دفن النعامة لرأسها في الرمل، فهو قائم بكامله على الخديعة والوهم، ولن يؤدي إلا إلى تفاقم مأساة السوريين، وإن كانت سوريا قد تحمّلت خديعة الحركة التصحيحية الأولى التي اخترعها حافظ الأسد، فلأنها كانت تملك مسبقاً مقومات البقاء والقدرة على التحمل، لكنها اليوم منهارة، وهي في غرفة الإنعاش ولا يمكن إخراجها من كارثتها، إلا عبر حلول وطنية، جريئة، وصادقة، بوابتها الوحيدة حل سياسي صريح، يبدأ بانتقال سياسي واضح، ركيزته الأهم هي طوي صفحة عائلة الأسد من تاريخ سوريا.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل