في شوارع حلب.. أطفال يتسولون وينبشون القمامة

فريق التحرير19 يونيو 2018آخر تحديث :
طفلان يبحثان في القمامة عن مخلفات بلاستيكية لبيعها بعد اعتقال أجهزة النظام لوالدهما، حي الفردوس، حلب، حرية برس

زياد عدوان – حلب المحتلة – حرية برس

لا تخلو شوارع مدينة حلب خلال هذه الأيام من المتسولين الذين يقومون بالبحث عمن يعطيهم مبالغ مالية من أجل تأمين وجبة طعام خلال يومهم أو من أجل شراء الدواء لمريض يمكث في المنزل ولا يجد له معيلاً، ولا يستثنى من هؤلاء المتسولين بعض ذوي قتلى قوات الأسد الذين لم يستطيعوا الحصول على وثائق تثبت بأن ابنهم قتل خلال مشاركته في المعارك إلى جانب قوات الأسد، حيث أن بعض الأطفال الذين يتسولون إما أن يكون أحدهم ابناً أو شقيقاً لأحد قتلى الأسد والذين فقدوا المعيل بعد مقتل أبيهم أو أخيهم في المعارك التي دارت في إحدى جبهات القتال إلى جانب قوات الأسد، حتى أن مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لنظام الأسد تتجاهل أحوالهم بشكل متعمد ولا تقف على مسؤولياتها المنوطة بها، ففي كل شارع وحارة ترى طفلاً ينبش في حاويات القمامة بالرغم من مرور سيارات الهلال الأحمر السوري والسيارات التابعة لمنظمات إنسانية، ولكن الصور الواردة من مدينة حلب تتحدث عن حجم المعاناة التي يعيشها المدنيين الذين يعيشون ظروف معيشية صعبة للغاية.

وقد أصبح التسول منتشراً بشكل كبير وملحوظ في مدينة حلب، ففي السابق كانت أعداد المتسولين معدودة وتعلم بها المؤسسات الاجتماعية ولكنها خلال هذه الأيام أصبحت أعداد المتسولين مرتفعة بشكل كبير مما يدل على عجز تلك المؤسسات والمكاتب التابعة للمنظمات الإنسانية المتواجدة في سوريا عموماً وفي مدينة حلب خصوصاً، حيث أن الأطفال الذين يجب أن يكونوا في المدارس تراهم في شوارع المدينة يتجولون من أجل الحصول على مبلغ مالي صغير لشراء طعام لا يكفي ليوم واحد.

وتعتبر مناطق حلب الغربية مكاناً خصباً للتسول لأنها من أرقى الأحياء في مدينة حلب، وعادة ما يتفق بعض الأولاد قبيل الانطلاق للتسول لجمع المال من أجل تأمين قوتهم اليومي، وتحدث “حرية برس” مع أحد الأطفال الذين يتسولون في حي الفرقان ولدى سؤالنا عن السبب الرئيسي لقيامه بالتسول قال لنا “والدي توفي منذ أربعة سنوات وأمي تعمل في تنظيف المنازل وراتبها لا يكفي لشراء الدواء لاخوتي المرضى وحالتنا سيئة جداً، وقد حاولت أمي الذهاب إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية من أجل الحصول على وظيفة أو راتب لأنها فقدت زوجها وهو موظف في شركة الكهرباء بعد سقوطه أثناء فترة العمل، ولكنها لم تستفد بأي شيء حتى أننا لم نحصل على التعويض المالي لأبي لأسباب كثيرة، وأهمها أن أشقاء والدي ما زالوا في صفوف كتائب الثوار في ريف حلب الشمالي.

وخلال ذلك الوقت لاحظنا وجود امرأة في العقد الثالث من العمر تجوب شوارع حي الموكامبو وهي تبحث عن من يعطيها المال من أجل شراء وجبة طعام لأطفالها الأربعة الذين قتل والدهم في معارك دير الزور، وعندما حاولنا الحديث معها رفضت الكلام وغادرت باتجاه منزلها الذي فيما يبدو أنه في أحياء حلب الشرقية، فيما تحدث أحد عمال مطاعم الوجبات السريعة في حي الموكامبو لحرية برس وقال “هذه المرأة قتل زوجها في مدينة دير الزور حتى أن جثته بقيت وقد تم تقطيعها، تأتي إلى هنا من أجل الحصول على باقي الطعام وأحياناً يأتي من يشتري لها وجبة طعام لأطفالها، وأضاف ذات يوم حاولت الحديث معها وبصعوبة عرفت أنها تعرضت للاغتصاب من قبل أحد المسؤولين عن تسجيل استمارات قتلى قوات الأسد حينما ذهبت لتسجيل استمارة لزوجها الذي قتل في مدينة دير الزور وأثناء إحضارها للوثائق دخلت إلى مكتبه فطلب منها الدخول إلى غرفة خاصة وعندما رفضت قام بتمزيق الاستمارة وحاول اغتصابها ولكنها تمكنت من الهرب.

وليس الحال بأفضل مما عليه في الأحياء الشرقية لمدينة حلب والتي ما زالت تعيش واقعاً خدمياً سيئاً للغاية، يمكن أن يمر يوم على عائلة ليس لديها معيل وتبقى بدون طعام ولكن الأطفال الذين يقومون بالتسول والبحث عن بقايا الطعام في مكبات القمامة من الممكن أن يجدوا ما يسدون به جوعهم، حتى أن بعضهم أصبح يلجأ للبحث عن البلاستيك ويقوم بجمعه ومن ثم بيعه لمعامل الصناعات البلاستيكية، وبعد ذلك يقوم بشراء الطعام وأحياناً بعض الأطفال يشترون الدواء لأحد المرضى من ذويهم، (مصعب) ابن عشرة أعوام كان يبحث في مكبات القمامة في حي الفردوس عن بلاستيك ليبيعه، يخرج بشكل يومي للبحث في القمامة عن فوارغ الكولا البلاستيكية هو وأخوه الأصغر وعندما سألناه عن السبب أجاب: “قبل فترة كنا أنا وأخي نتسول من أجل الحصول على المال لتأمين طعامنا وعمري 14 وأخي عمره 12 ويوجد أخوة أصغر مني خمسة لا يوجد من يعيلنا لأن والدي معتقل لدى النظام منذ سيطرة النظام وميليشياته على الأحياء الشرقية”، وتابع مصعب في حديثه لحرية برس “بحثت عن عمل لي ولأخي ولكن لا يوجد أحد يريد أن نعمل لديه لأننا لا نملك خبرة في العمل، ومعظم أصحاب المهن قالوا لي أنه ليس بوسعهم أن يعلمونني أي مهنة لذلك أجمع الفوارغ البلاستيكية أنا وأخي ومن ثم نقوم ببيعها لتأمين متطلباتنا من الطعام”.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار على ماذا يتغنى النظام وميليشياته؟ ماذا حققوا وأنجزوا في مدينة حلب إلا خنق الأهالي الذين يعيشون ظروف معيشية صعبة وسط ارتفاع الأسعار وعدم توفير الخدمات وإهمال جميع متطلبات الحياة في مدينة حلب.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل