مخيم اليرموك: الطريق إلى 19 نيسان 2018 – أعمدة التحرير الخمسة

معاوية محمد18 يونيو 2018آخر تحديث :
معاوية محمد

لا بد من التنويه بداية إلى تداخل المراحل، وأنه لا يقصد بها الترتيب الزمني المطلق (فعملية الإفراغ مثلا كانت متواصلة أثناء الحصار، كما أن النهب والتوريط يتخللان كل المرحلة..)، فتقسيمها هكذا إنما هو فعل إجرائي من اجتهاد الكاتب بغية التوضيح.

1- التوريط:

كان المخيم ومنذ بدء الثورة ملجأ آمناً للنازحين من المناطق المجاورة، بل ومن محافظتي درعا وحمص أيضا (تحدثنا في الجزء الثاني عن استهداف الطيران لمسجد عبد القادر ومحيطه حيث أوى عدداً كبيراً منهم). وكانت هناك محاولات شتى لاستفزازه وإدخاله في دائرة الصراع العسكري، لعل أبرزها استهداف قذائف الهاون لشارع الجاعونة وكانت خطة الجيش الحر تقتضي في الأساس تحرير الحجر الأسود والأحياء المتداخلة بين اليرموك ويلدا، مع استهداف نقاط تمركز القيادة العامة الحليفة للنظام. لكن من بين من خالف الخطة ودخل المخيم بكامله كان “القائد العسكري”: أبو عمر الجولاني، الذي سيلمع نجمه كثيرا فيما بعد باسمه الحقيقي: بيان مزعل.

2- الإفراغ:

ذروته كانت في 17-12-2012 بعد يوم من قصف الطيران وانتشار الشائعات عن نية النظام اقتحام المخيم. خلال السنوات اللاحقة -تحديدا بعد دخول داعش- شهد المخيم أيضاً موجات نزوح -وإن كانت أصغر بطبيعة الحال- نحو البلدات الثلاث المجاورة (يلدا، ببيلا، بيت سحم) نتيجة تردي الوضع فيه على جميع المستويات، والإغلاق المتكرر لحاجز العروبة الفاصل بين اليرموك ويلدا، الذي كان لأمد طويل شريان الحياة الوحيد لأهل اليرموك (والذي أشهد شخصيا أن وراء إغلاقه تقف الفصائل “الثورية” في البلدات الثلاث، بتحريض وتواطؤ وسكوت من الجهات والهيئات الفلسطينية العاملة هناك، وكانت غادرت المخيم بعد دخول تنظيم الدولة إليه، واتهمت كل من بقي فيه بالتدعشن!)، أما ما بقي من مؤسسات فقد تعرض للضغوط ومنع من العمل.

كما أن تصفية الفاعلين في المخيم يمكن إدراجها ضمن سياسة الإفراغ، لما كان لمعظم أولئك من دور إغاثي وطبي فاعل، ومن حراك سياسي كان يمكن له أن يخفف معاناة أهل المخيم ويجنبه مآله النهائي.

3- النهب:

في تصريح لصحيفة الوطن يعود لعام 2013 قال أنور رجا، مسؤول الإعلام في الحبهة الشعبية – القيادة العامة: “المخيم ما يزال يعاني من احتلال العصابات، واستباحتها لأمن الناس، والتعدي على أملاكهم وحرمتهم”. وعلى غير عادته، كان رجا محقاً في هذا التصريح. ولكنه، على عادته هذه المرة، لا يقول لنا من كانت تلك العصابات. مجددا “بيان مزعل”: من سكان الحجر الأسود النازحين من الجولان. إعلامي في كتيبة جند الله، ثم قائداً لها بعد مقتل قائدها السابق، ثم قائد للواء الحجر الأسود (بعد اتحاد عدة كتائب قادتها هم أمثال أبو هارون وأبو فهد ميازة..) ثم يشكل الفرقة الرابعة بالجيش الحر بالاتحاد مع “أبو النور دريد” قائد “أسود التوحيد” (التي كان يدعوها سكان المخيم والحجر: أسود التحميل، فقد كانت في واقع الأمر شركة متخصصة بنقل أثاث المنازل وإفراغ المستودعات). شمل طيف أفعال “بيان مزعل” هذا بعد دخوله المخيم مخالفاً خطة الجيش الحر: السرقة، الخيانة، إثارة الفتن، التعامل مع النظام وتزويده بالمعلومات.. فقد نهب مثلاً محتويات جميع الشقق في شارع 15 (غرب اليرموك) وكان يخزنها في مستودعاته في الحجر الأسود تمهيدا لبيعها في دمشق عبر حاجز السبينة بالتنسيق مع ضباط النظام. ليس الأثاث فحسب، بل حتى الكبلات الكهربائية لم تسلم منه، هي وكل ما يحتوي النحاس، والبطاريات.. (هذه كانت إذن الجذور التطورية لفيزيولوجيا التعفيش في الجيش الأسدي). كانت أفعاله جهاراً، وعلى مرأى الجميع، ومثار سخط عام. في تلك الفترة تشكلت “الرابطة الإسلامية” من الفصائل الإسلامية الموجودة في المنطقة، والتي بدأت حملة تطهير من الفاسدين فاعتقلت عدداً من عناصر الفرقة الرابعة إياها، ووقعت عدة اشتباكات معها، إلى أن حاصرتها في الحجر الأسود طالبة تسليم بيان مزعل شخصياً. يختفي الأخير لفترة من الزمن، ثم تشيع أنباء عن ظهوره في حملة جيش النظام على السبينة… على أي حال، صرنا نعرف الآن نبذة عن العصابات “التي احتلت المخيم واستباحت أمن الناس وتعدت على أملاكهم” ومن كان يوجهها، ويتعاون معها.

4- الحصار:

هو النغمة الأساسية/السمة العامة التي صبغت المخيم في السنوات السابقة. تحدثنا سابقا عن بعض وجوهه، لذا لن أضيف شيئا هنا، ناويا تزويد الجزء الأخير بكرونولوجيا موجزة بأهم الأحداث.

5- التدمير:

في نيسان 2015 نقل أنور عبد الهادي، مدير الدائرة السياسية في منظمة التحرير، عن نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد قوله: “الجيش السوري لن يدخل مخيم اليرموك، وسوريا حريصة على كل قطرة دم فلسطينية”. وظل عبد الهادي منذ ذلك الحين يكرر النغمة ذاتها: “قرار الدولة السورية هو أن لا يمس أي مدني، وهي ستحافظ على المخيم، وتحافظ على المدنيين داخله”. التصريح الآنف تحديدا، كان في 16 نيسان 2018، أي قبل ثلاثة أيام من بدء تدمير المخيم.

لذا يمكن الآن، تساوقا مع ما سبق، فهم تصريحه فور إعلان الحملة العسكرية الشاملة: “قبل بدء الحرب على إرهابيي داعش الذين دخلوا المخيم، كان يتواجد به نحو مئتين إلى ثلاثمئة لاجئ، إلا أنهم خرجوا عند بدء الحرب ولم يبق به أحد”. لا أدري من أين يأتي عبد الهادي بهذه الأرقام وسواها، وأنى له هذا اليقين الذي يحسد عليه حتى يعلن: “مخيم اليرموك حالياً فارغ تماماً من اللاجئين الفلسطينيين”.

إذن كل من قتل من المدنيين في أثناء الحملة، من كان يقود سيارة الإسعاف الوحيدة فيه، من قضى تحت الأنقاض، من دفن في الأقبية، من أعدم عند حاجز العروبة أثناء محاولة النجاة الأخيرة، بل من اعتقل بعد خروج داعش.. (وأسماء من سبق وصورهم منشورة ومعلنة ومعروفة للجميع) كل هؤلاء كانوا أشباحاً، أو هلاسات جماعية، أو أخباراً كاذبة، أو إرهابيين، أو ربما لم يكونوا لاجئين فلسطينيين! من يعلم؟ فعبد الهادي لا يكذب. ولأن التدمير يحتاج ذريعة، فلدينا ههنا “تنظيم إرهابي” بإجماع العالم. لا تسل عمن أفشل ثلاث اتفاقيات على الأقل لخروج داعش (في إحداها، حزم عناصر التنظيم حرفياً).
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل