روسيا ومأزق التحالفات والتفاهمات

جمعة الحمود1 يونيو 2018آخر تحديث :
روسيا ومأزق التحالفات والتفاهمات

ما بين التفاهمات “الروسية التركية الايرانية” كحلفاء ضامنين لمناطق خفض التصعيد كلّ حسب المناطق المنوطة به، والتي شهدت حضور المعارضة السورية والنظام بالاسم فقط ودون امتلاك أي إرادة للقرار الداخلي المستقل والفاعل في اجتماعات أستانة وسوتشي باشراف ورعاية الدولة الروسية كان ختامها في “سوتشي 9” والتفاهم “الأميركي الروسي”، تبرز الآن “المعضلة” المتمثلة بحل مسألة الجنوب السوري التي لم تضح مآلاتها بعد، فمنطقة خفض التصعيد في جنوبي سوريا والتي تم التوافق والتوقيع عليها من روسيا وأميركا والأردن وإسرائيل، تختلف كلياً عن باقي مناطق خفض التصعيد التي أبرمت عبر التفاهم الروسي الايراني التركي رغم الموافقة الأميركية عليها والتي أدت الى خروج الفصائل من الغوطة الشرقية والقلمون ومحيط دمشق وريف حمص الشمالي.

إن غياب الولايات المتحدة الأميركية عن اجتماع “أستانة 9” ليس سوى مؤشر على أن واشنطن موافقة على النهج الروسي في إنهاء الحرب السورية وأن التفاهم بين روسيا وأميركا لم يسقط بعد، ولعل أهم تلك التفاهمات العمل على حل سياسي يتأسس على دستور جديد وانتخابات في سنة 2021، شرط ألا تكون إيران جزء من الحل، وأن يقلّص الدستور المقبل صلاحيات الرئيس والأهم أن تجري الانتخابات بإشراف دولي صارم بعد تهيئة الظروف الملائمة التي تؤسس لمرحلة انتقالية، يبقى خلالها رأس النظام يمارس صلاحياته ولو شكلاً دون اعتراض من العرب والأتراك والدول الأوروبية، بل ودعم الموقف والاجراءات الروسية ضمن ثلاثة شروط: العمل على عدم تثبيت الوجود الايراني تمهيداً لخروجها مع أذرعها في سوريا والمنطقة، دفع النظام إلى العملية السياسية والتفاوض الجدّي على الحل الشامل والدائم، وربط أي مساهمة دولية في إعادة الاعمار والمساعدات العربية والأوربية والأميركية بوجود الحلّ السياسي الحقيقي.

ما يؤكد المضي عبر التفاهم الأميركي الروسي هو ذلك التناغم بين الخطوات التي يتبعها الرئيس الأميركي ترامب والروسي بوتين، بغض النظر عن التهديدات والتصريحات النارية المتبادلة التي يوحي ظاهرها بالعدائية وهي بالحقيقة ليست سوى مادة للإستهلاك الاعلامي للتغطية على يسعى له الطرفان الكبيران على الساحة السورية والإقليمية، فبعد الضربة الغربية الثلاثية لمواقع النظام يوم 14 نيسان 2018 رداً على مجزرة دوما الكيماوية في 4 نيسان 2018 أعلن الرئيس الأميركي ترامب خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وبدأ يطالبها بالانسحاب من سوريا توازياً مع فرض العقوبات الاقتصادية، أيدت ذلك اسرائيل التي قامت بمهاجمة القواعد الايرانية في سوريا والتي كوفئت بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، ومازالت اسرائيل توجه الضربات الجوية إلى القواعد الإيرانية وميليشياتها دون رد أو اعتراض من الحليف الروسي، فبوتين لم يتأخر باستدعاء رأس النظام السوري على عجل ويضعه أمام ذات المطالب الأميركية، الأسد عاد من سوتشي متتصف الشهر الجاري مكبلاً بخيار صعب للغاية، فالتحالف مع ايران لم يعد متاحاً وبدأ ذلك ينعكس على الأرض حيث ازداد ظهور الشرطة الروسية في شوارع دمشق ومحيطها والساحل السوري وريف حمص الشمالي.

ويرى الروس أن ما تحقق عسكرياً في دمشق وحمص كافٍ للبدء بعملية سياسية والتشديد على طلب انسحاب القوات والميليشيات الأجنبية، وهنا أصبح النظام بين فكي كماشة الروس والإيرانيين الذين بدورهم -أي الإيرانيون- ردّوا بعدم الانسحاب، وجاء كل ذلك قبل الحشود العسكرية للنظام باتجاه الجنوب السوري ذو الأهمية السياسية والاقتصادية لمعبري نصيب ودرعا القديم على الحدود الجنوبية بين الأردن وسوريا بهدف استعادة المنطقة وتأمين الطريق الدولي “دمشق _ عمان” والسيطرة على تل الحارة الاستراتيجي في الشمال الغربي من درعا، وقد قوبل ذلك برفض أردني وإسرائيلي وأميركي هدّد باتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة.

إن الاختبار الحقيقي الآن لنجاح الروس والاستمرار بنقل الصراع العسكري إلى صراع سياسي يكون من خلال تفكيك الفصائل المعارضة في الجنوب السوري وذلك بتطبيق سيناريو يختلف عما حصل في الغوطة ومحيط دمشق وريف حمص بعيداً عن الإيرانيين وحزب الله المطلوب خروجهم من المنطقة، وتلك رغبة كل الأطراف المتداخلة في منطقة الجنوب السوري (إسرائيل، الأردن، المعارضة، أميركا، النظام والروس).

كيف ستنتهي معضلة الجنوب السوري؟ هل يستمر التوافق الروسي والأميركي وتكمل روسيا نهجها الآن بعيداً عن الحلف الايراني غير المرغوب، الواضح أن كثيراً من الأمور ستتوقف على التصرفات الايرانية، هل ستختار ايران المجابهة مع إسرائيل وأمريكا وتأخذ المنطقة إلى انفجار جديد في ضوء إصرارها على البقاء مباشرة أو عبر أدواتها في الجنوب السوري وجنوب لبنان والمناطق المحيطة بدمشق؟

في الجنوب السوري تتفق روسيا وأميركا وإسرائيل والأردن على إبعاد كل القوات الأجنبية عن المنطقة بمسافة 60 كم عن الحدود مع الأردن واسرائيل التي تريد الآن خروج إيران وأذرعها من كامل الأراضي السورية، وهؤلاء اتفقوا على حلول قوات النظام فقط في تلك المنطقة وصولاً الى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، فهل تستطيع روسيا إجبار إيران وحزب الله على الانسحاب من تلك المنطقة وكيف ستوائم بين ذلك والحفاظ على تحالفها مع إيران التي ما زالت ترفض الانصياع للمطالب الدولية التي يؤيدها حليفها الروسي الذي لا يريد الدخول بأي نزاع مسلح مع إسرائيل وأمريكا، نزاع لا يعرف مدى عواقبه على كافة المنطقة وعلى ما أنجزته روسيا في سوريا.

كيف ستنتهي اللعبة من دون حرب إقليمية باتت في هذه الظروف حاجة إيرانية أكثر من أي شيء آخر، خاصة وأنها تعاني من أزمة اقتصادية داخلية خانقة تزداد حدةً بفعل العقوبات الأميركية التي تضيّق الخناق عليها وبدأت تطفو إلى السطح من خلال الانتفاضات التي يشهدها الداخل الذي بات يهدد نظام الملالي في طهران، كل ذلك قد يشجّع إيران على إشعال حرب تتفادى بها سقوط نظامها من خلال توجيه أنظار الداخل الإيراني إلى حرب خارجية تخدم مصالحها، ولكنها في الوقت ذاته تعرف مسبقاً أن أي تصرف أحمق سيجابه بردّ قوي وستكون وحيدة في مواجهة ذلك خاصة وأن بشار الأسد في حال أقدم على الوقوف بجانب ايران سيعجّل بنهاية حكمه.

يبدو أن كل الأطراف الاقليمية الآن أمام خيارات صعبة وعليها أن تستخدم كل ثقلها وحنكتها السياسية للخروج بأقل الخسائر أمام جبروت الدول الكبرى التي تتحكم بكل مفاصل الصراع في سوريا والمنطقة بشكل عام، ونحن لا يسعنا إلا أن نراقب وننتظر ما ستؤول إليه الأمور.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل