دموع مجانية..

فريق التحرير22 مايو 2018آخر تحديث :
(الصورة تعبيرية)

وليد أبو همام – حرية برس

كثيرات هن نساء سورية اللواتي انفطرت قلوبهن لفقدان أحد الأبناء أو كلهم، ورغم تشابه الأحداث وأن القاتل واحد إلا أنه ما إن تسمع إحدى القصص ستعرف أن كل أمّ لها من الحزن نصيب كنصيب كل الأمهات، وقصة أم عمر واحدة من تلك القصص التي تختصر أوجاع آلاف الأمهات.

بدأت حكاية أم عمر من حمص عندما ارتفع صوت الحرية عالياً وأبى كل حرّ إلا أن يشارك في هذا الحدث الكبير وكان ولداها الإثنان عمر ومحمد من أوائل المتظاهرين ضد سياسة القمع الأسدية، فلم يتركوا مظاهرة إلا وكان لهم فيها حضور وشاهدوا بأعينهم ما يفعله أزلام الأسد بإخوانهم وأخواتهم حتى وصل بهم الأمر إلى حمل السلاح، فانضم عمر ومحمد إلى صفوف الثوار وبدأوا يخوضون معارك ضد النظام وكانت دعوات أمهم ترافقهم في كل معركة وتنتظر عودتهم سالمين.

كانت إحدى المعارك غادرة بأم عمر ففي ذلك اليوم لم يأت محمد بروحه بل جاء بجسده فقط يحمله عمر وتخنقه الدموع، كان هذا المشهد كافياً بأن يعصر قلب أم عمر ويسقطها أرضاً. ككل الأمهات لم تكن بخيلة بالدموع بل كانت سخية وكأنها تبكي عن كل الأمهات.

مضت الأيام والأسابيع ولم تجف دموع أم عمر كما لم يتوقف عمر عن مشاركة رفاقه معاركهم حتى نال الشهادة ولحق بأخيه، شهر واحد فقط افترقا ليجتمعا من جديد ولكن في مكان لا يليق إلا بمثلهم ومن دون أمهم. لم تكن دموع أم عمر قد توقفت بعد ليأتيها خبر استشهاد عمر فخسرت بذلك كل ما يربطها في هذه الدنيا ولم يكن بكاؤها على عمر أمراً غير عادي فكل من عرفها لم يرها إلا باكية بعد فقدان محمد ولكن هول الأمر كان أكبر من أن يتحمله عقل بشر فكان هذا الخبر قاتلاً لكل أحاسيس أم عمر إلا الرغبة بالبكاء فكانت تبحث عن كل شيء وعن كل شخص يدفعها للبكاء.
عمل أقاربها على إخفاء أغراض ولديها عنها خوفاً على ما تبقى من عقلها ولكن ذلك لم يمنعها من ذرف الدموع حتى وجدت الحل في أن تذهب لكل عزاء تسمع به في أي مكان بعيد أو قريب وتطلق لعينيها الدموع ككل إنسان يحاول أن يشبع إحدى غرائزه بأي وسيلة، كانت أم عمر تبحث عن وسيلة تشبع بها رغبتها بالبكاء وما أن تسمع باستشهاد أي شخص حتى تجبر أخوها الأصغر لإيصالها لذلك العزاء فتبكي كبكائها على ولديها.
حاول أهلها كثيراً تخفيف حزنها ولكنها كانت دائماً تقول لهم بأن ذلك يشعرها بالراحة وأن هذه الدموع هي من حق الذين قتلوا وقدموا أغلى ما يملكون فباعوا هذه الدنيا واشتروا الآخرة.. أليس من حقهم القليل من هذه الدموع المجانية؟!
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل