إسرائيل كلاعب إقليمي في الصراع السوري

ماجد كيالي7 مايو 2018آخر تحديث :
إسرائيل كلاعب إقليمي في الصراع السوري

من السذاجة الاعتقاد أن إسرائيل نائية بنفسها عن الصراع السوري، الذي بدأ منذ سبعة أعوام، باعتبار أنها لا تشتغل على النحو المباشر الذي تتدخل به أو تتموضع عبره كل من إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة. فإسرائيل هي بمثابة القطبة الخفية في هذا الصراع، سواء اشتغلت بطريقة سياسية صامتة، أو عملت بطريقة عسكرية صاخبة. ثمة تجليات عديدة لتبين هذا الأمر يكمن أهمها في الآتي:

أولاً من خلال السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة التي أدت إلى عدم حسمها لموقفها بشأن وقف الصراع الضاري في هذا البلد، رغم الأهوال التي شهدها أو اختبرها السوريون، بتشريد الملايين وتحولهم إلى لاجئين ومقتل مئات الألوف منهم ودمار عمرانهم، إذ لا يمكن عزل الموقف الأميركي عن الموقف الإسرائيلي، مع علمنا أن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تأخذ في اعتباراتها أمن إسرائيل أولا، في إطار فهمها لمصالحها وأولوياتها.

ثانيا هذا يحصل عبر التنسيق السياسي والعسكري مع الدولتين الكبريين، أي الولايات المتحدة وروسيا، وهو الأمر الذي أثمر اتفاقية لوقف التصعيد في الجنوب السوري (القنيطرة ودرعا والسويداء)، بين روسيا والولايات المتحدة والأردن؛ من خارج معسكر أستانة الثلاثي الذي يضم روسيا مع إيران وتركيا، مع معرفتنا أن إسرائيل شريك غير معلن في هذا الاتفاق وعبر كل طرف فيه.

ثالثا منذ بداية الانفجار السوري، مارس 2011، انتهجت إسرائيل سياسة مفادها النأي بالنفس، الذي يقتصر على عدم إدلاء المسؤولين الإسرائيليين بتصريحات واضحة عما يجري في سوريا، لكنها من الناحية العملية انتهجت سياسة مزدوجة، تقوم من جهة على دفع القوى الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، لترك البلد للمزيد من التمزق والخراب الدولتي والمجتمعي، لأن هذا الوضع المتدهور في محيطها هو الذي يجعلها في بيئة آمنة لعقود، وفقا لمقولة “دع العرب ينتحروا”.. عرب يقتلون عرباً… فما شأننا نحن؟ دعوا العرب يقتلوا بعضهم البعض بهدوء؟ (أليكس فيشمان، “يديعوت أحرونوت”، 12 يونيو 2013).

أما من الجهة الثانية، فثمة التدخل العسكري المباشر وفق سياسة الردع والعصا الطويلة، للحؤول دون اقتراب قوات إيرانية أو حليفة لها من حدودها، إضافة إلى الحؤول دون وصول إمدادات عسكرية ذات وزن، أو من نوعية معينة، من إيران إلى حزب الله، بحيث نفذت إسرائيل، خصوصا طوال السنوات الخمس الماضية، العشرات من الغارات ضد مواقع عسكرية للنظام، وضد قواعد إيرانية في سوريا أو ضد قوافل تسلح إيرانية، كما ضد بعض قياديي حزب الله.

في هذا السياق، لعل أقسى الضربات التي وجهتها إسرائيل ضد أهداف في الأراضي السورية هي تلك التي حصلت الشهر الماضي قرب حماة، والتي أدت إلى تدمير كامل لقاعدة إيرانية كبيرة تحتوي مخازن أسلحة، وعن ذلك كتب المحلل الإسرائيلي آفييسسخاروف في تايمز اوف إسرائيل 4 مايو، “بعد ساعات من الهزة الأرضية الغامضة- 2.6 درجة على سلم ريختر- التي سجلتها أجهزة قياس الزلازل في مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي، بدأت الظروف التي تقف وراء سلسلة من الانفجارات التي هزت سوريا (أواخر الشهر الماضي) تتضح… صواريخ مخترقة للخنادق، والتي لا تنفجر عند ارتطامها بالأرض وإنما عميقا داخل الأرض، أصابت قواعد في منطقتي حماة وحلب.

ومن هنا ينبع مصدر الهزة الأرضية. القاعدة التي هوجمت في منطقة حماة تابعة للواء 47 في الجيش السوري التابع للرئيس بشار الأسد… المرصد السوري لحقوق الإنسان (ومقره لندن) ذكر أن 26 شخصا لقوا مصرعهم في الهجوم، من بينهم إيرانيون. تقرير آخر تحدث عن 38 قتيلا. أيا كان الحال، من الواضح أن الهجوم غير اعتيادي في جوانب عدة.

كل هذا بدأ يبدو وكأنه عملية إسرائيلية أميركية منسقة للحد من أنشطة الجيش الإيراني في سوريا، وفي نفس الوقت نقل رسالة إلى موسكو بأن الضوء الأخضر الذي أعطته روسيا لإيران للتموضع عسكريا في سوريا غير مقبول في القدس وواشنطن”.

كما يأتي ضمن ذلك قيام إسرائيل بإرسال ثماني طائرات حربية للإغارة على عدة أهداف عسكرية في سوريا، منها مطاران عسكريان (تيفور قرب تدمر، والمزة في دمشق)، وثلاث قواعد للدفاعات الجوية ومواقع عسكرية مهمة في ريفي دمشق ودرعا، وذلك في شهر فبراير الماضي.

وفي عملية ذات دلالة معينة قامت إسرائيل يوم 17 أبريل الماضي بالولوج إلى أجهزة الرادارات السورية بطريقة القرصنة، بحيث أن تلك الأجهزة أظهرت ضربات صاروخية معادية تجاه مطاري الشعيرات في ريف حمص، والضمير في ريف دمشق، الأمر الذي جعل الدفاعات الجوية تطلق صواريخ مضادة، وهو ما تبين في ما بعد عن مجرد غارات وهمية، بعد أن تورط الإعلام السوري والإعلام المساند له، بالحديث عن أن ثمة غارة فعلية حصلت.

والمغزى من ذلك أن إسرائيل في مثل هذه العملية، وعمليات مماثلة ربما تقف وراءها الولايات المتحدة، كما جرى في تدمير ثماني طائرات حربية روسية في قاعدة حميميم الروسية (فبراير الماضي)، تحاول تأكيد أن أجهزة الرادارات التابعة لمنظومة الدفاعات الجوية الروسية يمكن شلها أو إخراجها من الخدمة.

طبعا في الغضون ثمة الغارات المستمرة على مركز البحوث العلمية في جمرايا قرب دمشق، منذ عام 2013، والتي انتهت مؤخرا إلى تدميره.

من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن إسرائيل باتت لاعبا أساسيا في الصراع السوري، وأن هذا الوضع يتعلق بأجندتها الخاصة فقط، أي ليست له علاقة بالصراع الدائر بين السلطة والمعارضة، إذ أن كل الضربات الإسرائيلية والأميركية تقصدت عدم توجيه ضربات يمكن أن تكسر النظام، أو يمكن أن تشكل فرقا لصالح المعارضة، وأن هذا التدخل يهدف إلى لجم إيران، وتحجيم نفوذها، ودرء أية مخاطر مستقبلية منها، وليس إنهاء وجودها في سوريا أو لبنان، إذ مازال الاستثمار الإسرائيلي والأميركي في الدور الإيراني في المنطقة على حاله، طالما أن إيران تخدم تقويض البنى المجتمعية والدولتية في المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا.

المصدر العرب اللندنية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل