المال قبل أي شيء.. سياسة “ترامبية” تتجلّى يوماً بعد يوم

فريق التحرير23 أبريل 2018آخر تحديث :
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ أ ف ب

منذ وصوله إلى الحكم، مطلع العام 2017، اتّخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من تغذية النزاعات واختلاق الأزمات وسيلة لزيادة مبيعات السلاح، متجاهلاً ما تخلّفه الحروب من تداعيات قد لا تكون الولايات المتحدة بعيدة عنها.

ومؤخراً أقرّت الولايات المتحدة سياسة جديدة لبيع السلاح لحلفائها في العالم، توسّع دور ترامب الشخصي وتمنحه حق التفاوض المباشر مع الدول لإبرام الصفقات، بما يعزّز قطاع الدفاع الأمريكي ويوفّر المزيد من الوظائف في الداخل.

ووضعت السياسة الجديدة حقوق الإنسان، التي كانت عاملاً في هذه الصفقات، في كفّة واحدة مع أمور أخرى تتعلّق بالمصلحة الأمريكية.

ووفقاً لما نشرته وكالة “رويترز” للأنباء، الجمعة 20 أبريل 2018، فإن البيت الأبيض يهدف من خلال السياسة الجديدة إلى تسريع الموافقات على صفقات الأسلحة وزيادة دور كبار المسؤولين، ومن ضمنهم الرئيس ترامب، في إبرام الصفقات الخارجية.

وتعطي السياسة الجديدة أهمية أكبر لمصالح الأعمال في قرارات البيع التي ظلّت الأولوية فيها لحقوق الإنسان مدة طويلة. كما أنها تمنح تأييداً كاملاً لدور ترامب الشخصي والمباشر في دفع صفقات السلاح من خلال اتصالاته واجتماعاته بزعماء الدول.

وستتساوى حقوق الإنسان حالياً مع اعتبارات أخرى في صفقات السلاح؛ منها احتياجات الدول الحليفة، والخسائر الاقتصادية التي ستتكبّدها الشركات الأمريكية في حالة عدم الموافقة على الصفقة.

وقالت السفيرة تينا كايداناو، المكلّفة بالإشراف على اتفاقات تصدير الأسلحة، إن هذه “سياسة متوازنة”، مضيفة: “بالقطع ننظر لحقوق الإنسان كأحد الاعتبارات التي نأخذها في الحسبان”.

ولم يعد خافياً أن ترامب يعتمد سياسة لجلب المال عن طريق مبيعات السلاح وتعزيز مخاوف الحلفاء لدفعهم نحو مزيد من الصفقات التي تعمل بدورها على تقليص حجم البطالة بين مواطنيه، وهو أمر ربما يعزز من مكانة الرئيس الأمريكي في قلوب ناخبيه.

فبعد زيارته للسعودية، في مايو 2017، والتي اقتنص فيها ما يزيد عن 460 مليار دولار على شكل صفقات مثّلت الأسلحة أكثر من 150 ملياراً منها، غرّد ترامب عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “جلب مئات المليارات من الدولارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط يعني: وظائف، وظائف، وظائف”.

 

وخلال الشهور الماضية، عزّزت سياسات ترامب من الاحتقان المتصاعد أصلاً بالشرق الأوسط؛ عبر دعمه لحصار قطر وقت اندلاع الأزمة الخليجية، في يونيو 2017، ثم تراجعه لاحقاً، ما دفع دول الحصار الخليجية (السعودية والإمارات والبحرين) إلى عقد صفقات أسلحة جديدة بمئات المليارات من الدولارات.

تخويف وابتزاز

ورغم هذه الصفقات، يبدو ترامب أكثر تماشياً مع الموقف القطري، كما تقول صحف أمريكية كبرى، لكن هذا لم يمنعه من اللعب بالورقة السورية؛ حيث أعلن هذا الشهر عزمه سحب قوات بلاده من شرق سوريا، ثم ما لبث أن طالب السعودية بتحمّل نفقات هذه القوات إن كانت ترى في بقائها تحجيماً للخطر الإيراني.

وقد انحاز الحظّ للرئيس الأمريكي بشكل أكبر عندما ارتكب النظام السوري مجزرة كيميائية في مدينة دوما، أوائل الشهر الجاري، وهي الضربة التي ردّ عليها ترامب وبمشاركة بريطانيا وفرنسا، بتوجيه ضربة لمواقع تابعة للأسد في دمشق ومحيطها، ثم ما لبث أن تحدث عن أهداف ثلاثة لا بدّ من تحقيقها قبل انسحاب قواته من سوريا.

ويبدو أن السعودية تحمّلت القسط الأكبر من تكاليف الضربة الثلاثية، التي لم تأتِ على رصيد الأسد الكيميائي كله، وفق ما أكّدته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، الأمر الذي دفع ترامب للتلويح بمزيد من الضربات إذا كرّر النظام السوري استخدام الكيماوي، ما يعكس أن الأمر ليس إلا متاجرة بأرواح السوريين وابتزازاً للسعوديين.

وفي الرابع من أبريل الجاري، رجّح موقع “ديلي بيست” أن ترامب يخلق الكثير من الالتباس حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا؛ بهدف ابتزاز السعودية وسحب الأموال منها، مقابل تقويض النفوذ الإيراني في البلد الذي أنهكته الحرب منذ العام 2011.

وكان الرئيس الأمريكي قال صراحة إن التدخّل في سوريا مكلف ويخدم مصالح دول أخرى، وإذا كانت السعودية تريد بقاء القوات الأمريكية هناك فعليها دفع تكاليف ذلك.

وأضاف ترامب، خلال مؤتمر صحفي له مع رؤساء دول البلطيق بالبيت الأبيض، الثلاثاء 3 أبريل 2018: “نعمل على خطة للخروج من سوريا، وإذا كانت السعودية ترغب ببقائنا فيها فيجب عليها دفع تكاليف ذلك”، لافتاً إلى أن بلاده “أنفقت 7 ترليونات دولار في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، ولم تجنِ سوى الموت والدمار”.

ويبدو أن ترامب نجح في اصطياد وليّ العهد السعودي، الذي قال في حواره مع مجلة “تايم” الأمريكية، 6 أبريل 2018، إنه “يعتقد أن القوات الأمريكية في سوريا يجب أن تبقى لفترة متوسطة على الأقل، إن لم تكن لفترات طويلة، حيث إن وجودها داخل سوريا يسمح أيضاً لواشنطن بأن يكون لها رأي في مستقبل سوريا، ويعدّ السبيل لإيقاف تمدّد النفوذ الإيراني بمساعدة حلفائها”.

 إرغام على الدفع

وبعد أقل من أسبوع على الضربة الثلاثية، كشفت مصادر أمريكية أن إدارة ترامب تسعى لتقديم إغراءات للسعودية لإجبارها على الدفع بقواتها باتجاه الأراضي السورية؛ بهدف إحلالها محل قوات الولايات المتحدة، التي أعلن ترامب رغبته في سحبها من هناك.

ونقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، الخميس 19 أبريل 2018، عن المصادر التي وصفتها بالمسؤولة، أن إدارة ترامب تدرس تقديم ما وصفته بـ “مكافأة إجبارية” للسعودية من أجل إرسال قوات عربية إلى سوريا.

وأضاف مصدر مطلع: إن “واحدة من الأفكار التي يدرسها حالياً مجلس الأمن القومي الأمريكي هو أن يقدّم للسعودية عرضاً بأن تصبح دولة بدرجة حليف رئيسي خارج الناتو؛ إذا وافقت على إرسال قوات وتقديم مساهمات مالية للتمويل اللازم”.

وأشارت المصادر إلى أنه “مع إبداء السعودية استعدادها للمشاركة في إرسال قوات عربية إلى سوريا سيكون على الولايات المتحدة تحديد ما الذي ستقدّمه في المقابل”.

وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قال، الثلاثاء 17 أبريل 2018، إن بلاده عرضت إرسال قوات من التحالف الإسلامي إلى سوريا، مضيفاً: “الفكرة ليست جديدة”، كاشفاً أن “المملكة عرضت على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الأمر”.

وقال نيكولا هيراس، خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز “الأمن الأمريكي الجديد”: إن “وضع حليف رئيسي خارج الناتو هو بمثابة ريشة على رأس عدة دول، وسيعزّز دور الولايات المتحدة كضامن لأمن المملكة العربية السعودية”.

وكشف ترامب، في نهاية مارس الماضي، عن رغبته في سحب القوات الأمريكية من سوريا، إلا أنه تراجع عن اتخاذ الخطوة سريعاً بعد تحذيرات من القيادات العسكرية الأمريكية ومستشاري الأمن القومي.

وفي مطلع أبريل الجاري، قال ترامب: إن “السعودية مهتمّة جداً بقرارنا؛ وقلت: حسناً، كما تعلمون فإذا كنتم تريدوننا أن نبقى فربما يتعيّن عليكم أن تدفعوا”.

يأتي ذلك في حين يبقى اتفاق إيران النووي القشّة التي قد تأتي على ما تبقّى من استقرار بالمنطقة؛ حال انسحاب الولايات المتحدة منه. وبينما تحذّر الدول الأوروبية من أن انهيار الاتفاق قد يُشعل أتون الصراع في الشرق الأوسط، وسيدفع طهران باتجاه تعظيم قدراتها النووية.

ومن المقرّر أن يحسم ترامب موقفه النهائي من الاتفاق منتصف مايو المقبل، حيث يعتقد الرئيس الأمريكي أن الاتفاق الذي تم توقيعه في 2015 “كارثي” ويحتاج إلى تعديلات.

حقوق الإنسان ليست قضيّة

ومن الواضح أن سياسة الرئيس الأمريكي لا تكترث بمسألة حقوق الإنسان، ولا حتى بشكل الولايات المتحدة أمام العالم، على عكس سلفه باراك أوباما، الذي أبدى موقفاً أكثر تشدّداً حيال عدد من القضايا، ولا سيما بعد عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي، في يوليو 2013.

فبينما رفض أوباما استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي (الذي قاد الانقلاب على مرسي) في واشنطن، وعلّق مساعدات أمريكية بسبب ملفّها الحقوقي المتردّي، وجد السيسي حفاوة بالغة من ترامب، الذي لا يتوقّف عن مديح طريقة السيسي في مكافحة الإرهاب.

ورغم الانتقادات الحادّة التي تواجهها مصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الصحافة وغياب العدالة، تبدو واشنطن متماهية جداً مع السلطات المصرية ومتحالفة معها في غالبية الملفّات، وقد تجلّى هذا في الصمت الأمريكي المُريب على الانتهاكات والاعتقالات التي سبقت الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت في مارس 2018، والتي منحت السيسي ولاية ثانية بعد تغييب كل منافسيه بالقوة.

ولا يتحدّث ترامب أبداً عن عشرات آلاف المعتقلين المصريين ومئات القتلى خارج إطار القانون، فضلاً عن تجفيف المناخ السياسي والعصف بحقوق الإنسان بذريعة محاربة الإرهاب، فهذه كلها أمور تظل هامشية في قاموس الرئيس التاجر.

الأمر نفسه مارسه الرئيس الأمريكي وما زال يمارسه مع السعودية، التي يخوض ولي عهدها حملة قمع وتكميم أفواه غير مسبوقة ضد مناوئيه، وقد تجلّى التغاضي الأمريكي عن حقوق الإنسان مقابل الصفقات في حملة الاعتقالات التي طالت عشرات بينهم أمراء وأثرياء، في نوفمبر الماضي، وهي الحملة التي كان يمكنها الإطاحة بكل أحلام بن سلمان لو لم يدعمها البيت الأبيض.

وقد مارس ترامب سياسة تغذية الصراعات عندما قرّر -في سابقة- الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ “إسرائيل”، متجاهلاً تحذيرات إقليمية وغربية من أن الخطوة قد تدفع باتجاه مزيد من العنف بالمنطقة المشتعلة أصلاً.

وهناك، في شبه الجزيرة الكورية، مارس الرئيس الأمريكي سياسة النفخ في النار عبر التصعيد الكبير ضد كوريا الشمالية، حتى عاش العالم أسابيع وهو محفوف بهاجس اندلاع حرب نووية.

وبعد شتائم متبادلة وتهديد بالأزرار النووية بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قرّر ترامب بيع أسلحة متطوّرة لكوريا الجنوبية واليابان (غريمتي كوريا الشمالية)، قبل أن ينحو باتجاه التفاوض مع بيونغ يانغ.

وبينما دعا ترامب في تغريدة، الأسبوع الماضي، لوقف سباق التسلّح في العالم، فإن كثيراً من التقارير تشير بأصابع الاتهام نحو كبير مستشاريه وصهره، جاريد كوشنر، الذي يعتقد البعض أنه يؤدّي دور “السمسار” في كثير من صفقات السلاح.

المصدر الخليج أونلاين
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل