حكاية سوريا – دروس الغوطة الشرقية (1)

زكي الدروبي13 أبريل 2018آخر تحديث :
حكاية سوريا – دروس الغوطة الشرقية (1)

كان درس الغوطة الشرقية الدرس الأكثر فظاظة بين كل الدروس التي مرت على الثورة السورية، بدءاً من معركة بابا عمرو وصولاً لليوم. لقد كانت معركة الغوطة درساً جديداً ومتجدداً يؤكد أن الداعم الخارجي، بالإضافة إلى أنانيتنا، كان أحد الأسباب التي تسببت بهذا الفشل، كما أن الأمراض الموروثة من زمن الاستبداد كالمناطقية لازالت متجذرة فينا وتتحكم بفعلنا السياسي.

ورغم أن جميع القوى العسكرية الفاعلة المتواجدة في الغوطة هي فصائل جهادية إسلامية، إلا أن أمراض المناطقية، ونفوذ العامل الخارجي، كان أقوى من أن يجتمعوا ويتوحدوا تحت راية الثورة السورية، بل ظل كل فصيل منهم بما لديهم فرحون.

لقد مارست هذه الفصائل نفس الإجرام الذي كانت قوات الأسد – الذي يشغل حالياً صفة المندوب السامي للاحتلال الروسي في سوريا – تمارسه بحق المعارضين لهم، كما اقتتلوا فيما بينهم، وحاول كل فصيل منهم إلغاء الآخر، وكلّ منهم استقوى بداعمه وحليفه، وسعى لعقد اتفاقيات هدنة وخفض توتر منفردة بعيداً عن بقية الفصائل، وفي النهاية وحين استطاعت قوات نظام الأسد والمليشيات الداعمة له في معركة الاستيلاء على الغوطة الشرقية، فصل أجزاء الغوطة المقسمة فعلياً لثلاث مناطق نفوذ، الأولى لحركة أحرار الشام والثانية تتبع فيلق الرحمن والثالثة لجيش الإسلام، لم تستطع هذه القوى الثلاث الاتفاق على وفد واحد للتفاوض مع قوات الاحتلال الروسي، وتحسين شروط الخروج، واستطاع المحتل الروسي الاستفراد بكل فصيل على حدة.

وكما منعت المناطقية، والعامل الخارجي الذي كان يمول العسكرة، وحدة البندقية الثائرة على النظام، وفرضت علينا التقسيم في الغوطة، منعت أيضاً كل تحرك قد يحدث من قبل القوى العسكرية المحسوبة على الثورة السورية في الجنوب والشمال لنصرة الغوطة الشرقية، أو على الأقل لاستغلال انشغال قوات الاحتلال ومندوبها السامي في معارك الغوطة، من أجل التقدم وتوسيع المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد واسترداد ما فقدوه في إدلب مؤخراً وفي الجنوب قبل ذلك ..

حين دفعنا النظام لعسكرة الثورة – وهو أحد المجالات التي يبرع فيها – استخدمنا العسكرة بطريقة خاطئة، فانتظرنا قوات النظام كي تأتي إلينا بكامل عتادها وعدتها في جبهات صغيرة كجبهة الغوطة، ليستفرد بها، فساهمت هذه الطريقة في تدمير الأحياء والمدن والقرى الثائرة، بينما كان من المفترض أن نستخدم الساحة الثورية الممتدة على مساحة سوريا، فنشعل كل الجبهات، بالإضافة للعمليات الفدائية النوعية التي تستهدف مراكز القوى المحتلة.

حرب المواقع كرست المناطقية وزعماء المناطق، وهذا ما ظهر فاقعاً في مفاوضات الأحرار والفيلق والجيش مع النظام كلاً على حدة، فرغم تعرضهم لهجوم يمسّ وجودهم وكيانهم، لكنهم لم يتوحدوا مع بعض في كيان واحد أو على الأقل التفاوض كجهة واحدة. لقد كان خيار من قاد الثورة من البداية تحويل الثورة لحرب مواقع، والبحث عن تمويل وأموال للدعم، فخضعنا لوصاية الممول، فهو وحده صاحب القرار بساعة ومكان المعركة.

أسلمة الثورة السورية، ودفعها للطائفية، سبب من الأسباب التي أوصلتنا إلى هنا أيضاً، فبعد أن كنا ثورة وطنية تنادي بالحرية من المستبد القاتل، وتتغنى بحب الوطن والتضحية من أجله، أصبحنا ثورة لإقامة شرع الله، وكأن الشعب السوري من كفار قريش. أسلمة الثورة السورية جعلتنا نفقد تعاطف الشعوب في العالم الغربي، فقد أصبحنا بنظرهم حرباً أهلية غير أخلاقية، ولديهم تخوف حقيقي من انتقال المجموعات المقاتلة السورية إلى بلادهم، فخسرنا الرأي العام الغربي الذي كان يمكن أن يكون ظهيراً هاماً للثورة السورية.

أخطأ من قاد دفة الثورة خلال الفترة الماضية لهم حين هلل لهذه القوى المجرمة ودافع عنها في أروقة السياسة العالمية بحجة أن هؤلاء أبناؤنا وأن مصالحنا مشتركة وهي الخلاص من الأسد، وهذا أدى لوضع داعش والنصرة وباقي التنظيمات المشابهة، سواء أظهرت فاقعة بسواد داعش والنصرة، أو بالتخفي وراء علم الثورة لدى حركات وتنظيمات عسكرية مشابهة أخرى تتبنى نفس الرؤى الأيديولوجية وتتبنى مشاهد “جئناكم بالذبح”، في كفة الثورة السورية، وأصبحنا بنظر الرأي العام الدولي ثورة إرهابية، فأبعدت عنا التعاطف، خصوصاً من الرأي العام الأوروبي، وجعلته يحجم عن إشعال عواصم القرار بمظاهرات عارمة تنديداً بالمجازر التي نفذتها قوات الاحتلال الروسي الإيراني ومندوبهم السامي في سوريا نظام بشار الأسد.

استطاع نظام عائلة الأسد جرنا إلى الملعب الذي يمكن له الفوز فيه، وقد نجح في شيطنة الثورة، وإبعاد المترددين عنها، بالإضافة لكسب أصوات جديدة كانت ضمن صفوف الثورة، بدلاً من أن نكسب أصواتاً كانت تعتبر موالية له.

  • حكاية سوريا: سلسلة مقالات تستعرض ملامح ورؤى من التاريخ البعيد والقريب لسوريا، يمكن من خلالها فهم أسباب ما يجري من حروب ودمار على أرضنا، حسب وجهة نظر كاتبها.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل