رسم لوحة العودة على رمال الشاطئ ليرحل شهيداً على أعتابها

فريق التحرير10 أبريل 2018آخر تحديث :
هذه المنحوته كانت من آخر أعمال الشهيد محمد أبو عمرو

 فارس أبو شيحة ـ غزة ـ حرية برس:

ربما لن تكون كلمة العودة “أنا راجع” التي خطها الفنان الشهيد محمد أبو عمرو بيده بعد اليوم، منحوتة على شاطئ البحر طويلاً، فقد يطمسها أمواج البحر العاتية بعد أن رحل شهيدًا برصاص قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي لدى مشاركته بمسيرة العودة الكبرى في 31/أذار بذكرى يوم الأرض على الحدود الشرقية لمدينة غزة.

تلك المنحوتة الرملية كانت من آخر أعمال الشهيد محمد البالغ من العمر (27 عامًا)، فرصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يمنحه مهلةً للعودة من المسيرات وتفقدها والتقاط صورةٍ لها كما اعتاد أن يفعل بأعماله الرملية، عقب مشاركته في مسيرة العودة الكبرى، بدأ برفقة أصدقائه الزحف نحو الحدود الشرقيّة، مع أراضي فلسطين المحتلة48، مجددين المطالبة بحقهم في العودة، ليلتحق بركب شهداء مسيرة العودة الذين ارتقوا في اليوم الأول من مسيرة العودة والذي يستمر إلى منتصف شهر مايو المقبل.

إحساس الأبوة

يقول والد الشهيد الحاج نعيم البالغ من العمر (58 عاما ً) لمراسل حرية برس، في الساعة الثانية عشر ظهرًا، من نفس جاءني اتصال بتوجه إلى مستشفى الشفاء وسط مدينة غزّة على الفور، لأن نجلي “محمد مصاب”، لكنّني وبإحساس الأبوة كنت أشعر أنّه ليس مصابًا، وأخذ يراودني إحساسٌ قويٌ باستشهاده، خاصة وأنّه سبق له أن عايشتُ نفس التجربة قبل ثمانية سنوات مع ابني الأكبر الشهيد “إيهاب في قصف للاحتلال الإسرائيلي في عام 2008″.

وعندما حضرتُ إلى المشفى لرؤية ابني، سألني الطبيب أنت والد محمد؟ فكانت إجابتي بنعم، وقبل أن يخبرني الطبيب بأن ابني قد استشهد، قلت للطبيب “ابني راح! استشهد” قلتها ثم استندت مائلًا على حائط المشفى ولم أتمالك نفسي، وذهبت لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، احتضنته، وهمست في أذنه قائلًا له: “سلّم على أخوك يابا”.

وأضاف الحاج نعيم الحزين بنبأ استشهاد ولده يقول إن “محمد كان يخطط لنحت خريطة لفلسطين بطول 100 متر ومفتاح العودة على ذات الشاطئ الذي كان ينحت عليه، لكن ذلك الحلم لم يكتمل بسبب الحاجة الملحة إلى الدعم المادي.

العشق لشاطئ البحر

أما شقيقه الأكبر إياد، فيقول” أخي محمد هو الفنان والإنسان وأصر على المشاركة من الصباح الباكر في مسيرات العودة وتحشيد شباب الحي لذهاب إليها”.

ويضيف أخيه إياد في منتصف الثلاثينيات من عمره إن” محمد كان يعتبر النحت على الرمل أحد أدوات النضال وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي الوحشية بحق أبناء شعبه الفلسطيني”.

وأوضح إياد، كان الشهيد محمد يرتبط بقصة حبهِ وعشقهِ مع شاطئ البحر يجعله يذهب إليه يومياً رغم بعد المسافة وتواضع قدراته المالية كونه لا يعمل بأي مهنة ولا يملك مصدر الرزق.

صديق الطفولة

أما صديقه الفنان اسامة اسبيتة، فيقول كان الشهيد محمد تلميذا ً عندي من التلاميذ المبدعة في نحت العبارات والرسومات الجميلة على شاطئ البحر بالإضافة إلى أنه كان صديق الطفولة داخل الحيّ الذي أسكن فيه.

أما رسالة إسبيتة، فيقول نحن كشباب فلسطيني نسعى جاهدين لتوصيل القضية الفلسطينية وقضايا كل الشعوب العربية المظلومة لكل العالم من خلال الفن التشكيلي والنحت على رمال البحر.

رحلة الشهيد وشغفه بالنحت على الرمال الشاطئية بدأ بعيد وفاة والدته قبل ستة أعوام ليرسم عبارة “أمي”، والتي لاقت روجا ً واهتماما ً واسعا ً على مستوى الفن المحلي في قطاع غزة، ويبدو أن وفاة والدة محمد منحه دافعاً خاصا ً للتعبير عن أفكاره بالنحت على الشاطئ.

رسائل على الشاطئ

فمن أعماله رسم عدة شخصياتٍ وطنية كالراحلين ياسر عرفات وأحمد ياسين، والطفلة المعتقلة عهد التميمي، ورسوماتٍ أخرى للمسجد الأقصى والانتفاضة وأزمات تمر بها غزة كالكهرباء والحصار.

ومن العبارات الجميلة التي خطها بيده على الشاطئ سابقًا: “كن إنساناً متفائلًا وضع هدفًا وخطة لحياتك واجعل شخصيتك منفتحة على الآخرين تعش سعيداً”، لكن محمد لن يكون قادرًا بعد اليوم على مخاطبة أقرانه من الشبان ونقل ما يجول في خاطره على منحوتاته، بل ستبقى مجرد عبارات على صفحته في فيسبوك ليزورها مُحبّو الشهيد.

ربما لم يجد الشهيد نحات الرمال أكثر صلابةً وتجذرا ً من الأرض ورملها ليعبر عن شغفه بحبها والعودة إليها وحلم شعبه بالرجوع إلى قراه وبلداته التي هُجّرَ منها قبل 70 عاما ً.

وكانت فكرة نحت خريطة فلسطين بقراها ومدنها الحلم الذي يخطط له الشهيد أبو عمرو، لكنّه ذهب قبل أن يطبقه على أرض الواقع، فجاء صديقه الفنان أسامة سبيتة ليحقق حلمه ويحيي فكرته، وقام بنحت أكبر خريطة في فلسطين، مساحتها 800 متر، على امتداد الرمال من شاطئ بحر غزة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل