يوم خطفت مني غارة جوية رفاق الثورة..

سليمان طه11 مارس 2018آخر تحديث :
سليمان طه

لا أستطيع أن أسميه إلا بـ “يوم أسود”، لا يفارق مخيلتي، يوم لم أسمع فيه إلا أصوات صواريخ الحقد الأسدية، كيف لا يكون أسوداً وفيه استشهد صديقي وأصيب باقي الرفاق.

بدأت حكاية ذاك اليوم في مطلع العام 2015، عندما كانت حملات التصعيد العسكرية من الطائرات الحربية الأسدية، تستهدف معظم المناطق المحررة ومن هذه المناطق مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي.

استيقظنا أنا ورفاقي صباح ذلك اليوم باكراً، وبدأنا تتناول الأحاديث المتنوعة، وكان مجملها عن تصعيد نظام الأسد على مدينتنا تلبيسة من الطائرات الحربية الحاقدة والمدفعية الثقيلة، التي لا تستهدف إلا أماكن تواجد المدنيين العزل.

كان يوم الجمعة وبعد خروجنا من أداء صلاة الجمعة، كنا نجتمع سوياً في مقر للثوار، كان أحد اصدقائنا غائباً منذ فترة طويلة، ما دعانا للذهاب لمكان إقامته والاطمئنان على رفيق الكفاح، ما هي إلا لحظات من وصولنا، اجتمعنا مع صاحبنا “عبد الحكيم الطويل”، صاحب القلب الطيب والابتسامة الدائمة.

لا يستطيع أحد تحمل فقدان عبد الحكيم من صفوف اللواء العسكري الثوري، الذي تشكل لمواجهة قوات الأسد، لما له من أثر، بروحه المرحة والمتفائلة دوماً، بادر الجميع له بالأسئلة عن أحواله وأسباب غيابه.

بكلمات المودع قال “عبد الحكيم”، عندما عاد لاجتماع المقر، وانتهى من أعماله التي كانت سبب غيابه عن رفاقه في هذه الفترة الزمنية، “لقد جئت من أجل أن أودعكم، سوف أنهي نشاطي العسكري حالياً لظروفي الخاصة وسأعود قريباً، سنبقى على تواصل لحين عودتي مجدداً، وسأزوركم كلما سنحت لي الفرصة”.

كما عادته ودعنا مبتسماً، “عبد الحكيم.. انتظر لا تذهب.. دع الطيران يغادر السماء أولاً”، التفت إلي محاولاً أن يقول شيئاً ما،
إلا أن صواريخ جوية فراغية، كانت أسرع من نطقه بحروف ربما كانت وصية، أو كلمات وداع”.

فصل بيننا غبار الغارة الجوية، حيث حجب الرؤية حينها، دوي ذلك الانفجار، أسمع صداه كلما تذكرت الحادثة، انفجار عنيف جداً استهداف مكان إجتماعنا، لا أذكر فيه إلا لحظة وقوفي وكلاماً لم يكتمل بيني وبين صديقي “عبد الحكيم”.

لحظات من الذهول أصابتني، لم أعد عندها صاحياً، أو مدركاً لما يجري من حولي، كل ما أريده أن ينجلي بعض الغبار ويتلاشى أريد أن أبحث عن “عبد الحكيم” ورفاقي، لم أتخيل أن صديقي الذي كان يبعد عني أمتاراً قليلة، سيخطفه مني صاروخ أعمى، ويجعلني في حيرة من أمري.

هل حقاً يسمع الناس صراخي؟! إن كل من حولي مصاب، أركض مسرعاً، للحصول على سيارة نسعف بها الجرحى، حصيلة الغارة ظهرت حينها، استشهد “عبد الحكيم” متأثراً بجراحه التي أصابته في رأسها وظهره، كان مبتسماً، نعم مبتسماً كما قبل حدوث الغارة، تلك الإبتسامة ذاتها التي جاء يودعنا بها.

لا أنسى مشهد نظري لجراحه، أصبح واضحاً لي أنه قد استشهد، لكنني لا أصدق ما يحدث، عدت مسرعاً لرؤية أصدقائي الآخرين، حيث كانوا جميعهم جرحى بإصابات متفاوتة.

انتشر الدمار في كل أرجاء المكان، وتهشمت معظم الجدران، وأشلاء “عبد الحكيم”، توزعت على ما بقي صامداً منها.

لا زلت في حيرة من أمري، والدموع تنهمر على وجنتاي، ما أحاول تصديقه أن “عبد الحكيم” استشهد، وأُصيب أكثر من عشرة رفاق، في حينها تجهزت من أجل الذهاب إلى وداع البطل عبد الحكيم وصلنا وقد كان لا يزال على النعش ضاحكاً مبتسماً.

دفن الشهيد في سوريا، هو زفافه، لكن حتى في مسارنا نحو مقبرة الشهداء، لم تتوان مدفعية النظام بقصف المدينة، بالمدفعية الثقيلة”.

ودعنا “عبد الحكيم”، في قبره، وعدنا لإعادة تأهيل مكان إقامتنا، والقيام بعمليات التنظيف التي استمرت ثلاثة أيام، والتعامل مع الأضرار المادية الكبيرة نتيجة الغارة الجوية”.

“عبد الحكيم”، الذي كان يشغل مهمة قناص في لواء رفاقه الثوار، حيث كان رامياً على إحدى القناصات وقد قتل العديد من العناصر الأسدية أثناء محاولت التقدم على نقاط تمركز الثوار في جبهات ريف حمص.

رحل الشاب العشريني الخلوق والمحبوب بين رفاقه، كان دائماً يقول حلمي الشهادة في سبيل الله حقاً كما يقال أنه “طلبها وقد نالها”.

هذا واقعنا الذي لم يتغير منذ سنوات، تختصره قصة شهيد أو جريح أو معتقل، واقع أليم جداً، لكنه لم يزد في الشعب السوري إلا إصراراً على دحر الغزاة، حتى تحرير سوريا الحبيبة من المجرمين والطغاة وأعداء الإنسانية والبشرية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل