سوتشي وثقافة الـ “هوب هوب”

خطيب بدلة12 فبراير 2018آخر تحديث :
خطيب بدلة
الطريقة الاعتباطية التي اتُّبِعَتْ في دعوة الأشخاص لحضور مؤتمر سوتشي، وشحنهم، وإفراغهم في ساحات الفنادق، ووقوفهم ساعات ريثما تسجل جوازات سفرهم في الريسبشن، ثم ذوقهم الأمرين في الحصول على شيء يأكلونه، جعل الناس يتذكرون أيام السفر بين المدن في باصات الـ هوب هوب. 

في التسعينيات، ومع ظهور البولمانات الحديثة، الفارهة، المكيفة، التي تنطلق من مدينة إلى مدينة بسرعة ثابتة، ولا تتوقف إلا في محطة رئيسية، أو محطتين.. أصبح الناس يطلقون على الباصات القديمة، ذات التصفيح القوي، والرفاهية المعدومة، والسقف الذي ينقط الماء على الركاب في الشتاء، والنوافذ التي يفتحُها الراكبُ حينما يريد أن يعبئ رأسه بسيجارة حمراء طويلة: باصات الـ هوب هوب!

لم يكن لباصات الـ هوب هوب محطاتٌ إجبارية للوقوف، والسائق، حينما يلمح راكباً واقفاً إلى يمين الطريق، سرعان ما يدوس على المكابح بقوة تجعل الركاب الواقفين في الوسط يندفعون إلى الأمام بفعل القوة النابذة، لكي يوقف الباص ويُصْعِد الراكب.

تكرر هذا الأمر عشرات المرات، أثناء الرحلة الواحدة، وعندما يريد أيُّ راكب أن ينزل في نقطة محددة من الطريق فإنه يطلب من المعاون إنزاله، فيصيح المعاون بالسائق: هوب هوب. فيوقف السائق الباص بالآلية نفسها. وبعدما ينزل الراكب يصيح المعاون بمرح: روح، يا معلم.. الله مع دواليبك!

فكرتُ ملياً في أصل كلمة هوب هوب، فوجدتُ أنها، في الأساس، مصطلحٌ بحري، بل هي صيحةٌ وُجدتْ ليترنم بها البحارةُ أثناء عملهم الشاق في تحريك المجاديف لدفع المراكب في البحر إلى الأمام. فكانوا يصيحون بصوت واحد: هيلا هوبَّا هيلا.. وعلى سبيل الاستطراد أشير إلى أن أمير الشعراء أحمد شوقي كتب في سنة 1933 أغنية خالدة، لحّنها الهرمُ الرابع محمد عبد الوهاب وقدمها بصوته العذب في فيلم “الوردة البيضاء” تحمل عنوان النيل نجاشي، يقول فيها واصفاً رحلته الممتعة:

ووقفت أنادي الفلايكي- تعال من فضلك خُدْنا- رد الفلايكي بصوت ملايكي- قال مرحبا بكم مرحبتين- دي ستنا وانت سيدنا- هيلا هوبّ هيلا- صَلَّحْ لي قلوعك يا ريس- هيلا هوبّ هيلا.

وأما الباص (البولمان) فيمثل الحالة المعاكسة لباص الـ هوب هوب!.. الراكب فيه يجلس على مقعد وثير، له مساند يمكن تحريكها يميناً ويساراً وإلى الأمام والخلف، وجو البولمان دافئ شتاء بارد صيفاً، وثمة مرافق (بدلاً من المعاون) يرتدي ثياباً ذات ألوان زرقاء زاهية يقدم للراكب الضيافة والماء، ويساعده على تأمين أمتعته، ويعطيه لصيقة بها، كما يحصل في الطيران، وفي أغلب الأحيان يعرضون له عبر الفيديو فيلما سينمائياً، وإذا كان السفر في وقت مبكر، ينبعث صوت فيروز من جهاز التسجيل بأغان تشعر الراكب أن الحياة ما تزال جميلة وتستحق أن تعاش.

الذاهبون إلى سوتشي يعرفون أنهم نسخة تايوانية من الركاب الذين كانوا مدعوين ولكنهم رفضوا الذهاب ليقينهم بأن روسيا تحاول الاستئثار بالحل السوري، وأن الهدف من المؤتمر الإبقاء على ابن حافظ الأسد في السلطة أطول زمن ممكن، ولذلك رضوا بسفر الهوب هوب، والإقامة الـ هوب هوب والله يحب المحسنين.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل