فن الثورة في بلاد اللجوء.. عندما تقاوم العين المخرز

فريق التحرير7 فبراير 2018آخر تحديث :
إسراء الرفاعي - حرية برس
معرض “سوريا – فن وهروب” في مدينة كولن الألمانية – المصدر: lashout

يتساءل الكثيرون هل تقاوم العين المخرز؟ هل يقاوم الفن البندقية؟

أسئلة محقة في ظل واقع قاسٍ، فرض على الكثيرين من الشعب السوري حمل البندقية للدفاع عن أنفسهم من نظام متوحش مارس كل ما يخطر على بال بشر من قتل وتنكيل.

لكن تجارب الشعوب التي سبقتنا تُجيبنا أن الفن خلّد الثورات، وخلّد التضحيات التي قدمتها الشعوب في نضالها المقدس لنيل الحرية، فهل من أحد يمكنه إنكار دور حنظلة، ذاك الطفل الفلسطيني الذي خلقه ناجي العلي في تخليد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ألم يتحول ذاك الطفل الصغير إلى رمز من رموز الثورة الفلسطينية؟

ولأن الفن باقٍ ما بقي التاريخ، فقد عمد الفنانون السوريون للتعبير عن ثورة الشعب السوري، من خلال لوحاتهم ومنحوتاتهم، واتبعوا خُطى من سبقهم من فنانين رسموا بأيديهم تاريخ شعوب بأكملها، تماماً كتجربة ناجي العلي الذي أكد في حديثه مع غسان كنفاني عبر عن ضرورة الاستمرارية من خلال تعليق على أحد لوحاته “حتى تظل ثورتنا حمرة مثل الجمرة”. وهذا ما فعله الفنانون السوريون، فراحوا يدافعون عن قضيتهم السورية الإنسانية بالفن، حيث كان الفن هو البندقية التي تصوّب نحو الطاغية، والتي تدّكها الدهشة والسخط الذي يتولد عند الجمهور لدى رؤيته لعمل فني يعكس حقيقة الواقع السوري ويصرخ بأوجاع السوريين. فمنذ انطلقت الثورة السورية حطمت نظرية “ضحية بسمنة وضحية بزيت” وفتحت المجال للفن لنقل جميع قضايا السوريين على حد سواء.

اختار الفنان التشكيلي السوري “ابراهيم برغود” والمقيم في النمسا الريشة والقلم بدلاً من البندقية، وعزم على محاربة قتلة الإنسانية بعقله وإنسانيته لأن الريشة والقلم أقوى من أي سلاح. كان “برغود” قبل الثورة السورية يعبّر عن الحالات الإنسانية من خلال رسم الوجوه التي هي مرآة الإنسان، وبعد انطلاق ثورة آذار 2011 كرّس أعماله جميعها لنقل معاناة ومأساة الشعب السوري.

أقام “برغود” معرضه الأول في مدينة فيينا في متحف السلام الذي يهتم باللوحة التي تحاكي الحرب والسلام. ثم بدأ بالتنقل بين الدول الأوروبية لنقل هذه الرسالة الإنسانية السورية، كما كان حريصاً على إلقاء كلمة في الافتتاح يتحدث فيها عما يعيشه الشعب السوري من فظاعات يرتكبها نظام الأسد وحلفاؤه بحقه، وتقاعس المجتمع الدولي حيال ذلك.

تناول “برغود” العديد من القضايا الإنسانية في سوريا كالاغتصاب وقوارب الموت، زواج القاصرات، والمعتقلات و التي تشكل جميعها قضية واحدة هي إبادة شعب كامل ثقافياً واقتصادياً وإنسانياً. تميّز أسلوبه التعبيري بأنه يسبب صدمة للمشاهد وبذات الوقت يحمل دعوة للسلام، ما جعل ردود الفعل تتباين بين الدهشة و البكاء.

وبالحديث عن دور الفن في دعم القضية السورية قال “برغود” لحرية برس: “لم أحمل السلاح ولا أملك المال الكثير لدعم الثورة، و لكنني أملك ريشتي وألواني وهذا أسلوبي في دعم الثورة والشعوب الضعيفة. فأعمالي هي رسالة من الشعب السوري إلى العالم من أجل مساندته ودعمه في نيل حقه بالحرية والعيش بسلام”.

أما عن المسؤولية التي يحملها الفنان على عاتقه فأشار “برغود” إلى أنه من واجب الفنان إيصال معاناة الإنسان من خلال العين على سبيل المثال، ومع الأسف يلجأ الكثير من الفنانين إلى رسم لوحات تزينية وتحمل من الفرح ما يكفي لتسويقها، دون أخذ الثورة و شعبها المناضل بعين الاعتبار.

المعتقلات – لوحة للفنان التشكيلي السوري ابراهيم برغود
قوارب الموت – من لوحات الفنان التشكيلي السوري ابراهيم برغود
(سراب، ظهرت المرأة السورية خلال الثورة كالسراب الذي في وضح النهار مع الحر، وهذا ما لا يتوقع!) لوحة للفنان التشكيلي السوري ابراهيم برغود

من جهته رأى النحات السوري “محمد هلال” المقيم في ألمانيا أن الفن بشكل عام هو لغة العالم، سواء أكان رسم أو موسيقى، أو تمثيل، ونحن نعيش اليوم في عصر الصورة، مما يجعل من الفن وسيلة لنقل رسالة إنسانية، وإيصال شعور الغضب بطريقة لطيفة وبهدوء.

وأضاف أن رسالته هي عن سوريا السلام، التي تموت ببطئ دون أن يلقي أحدهم بالاً لوجعها.

شارك “هلال” بأعماله في عدة معارض في كولن وميونخ، وقد تم عرض أحد أعماله في متحف فرانكفورت. وكانت الأعمال الفنية التي يقدمها رسالته عن الثورة السورية، وتميّزت بأنها تدفع المتلقي وتستفز فضوله ليسأل، ويتحرى عن القضية السورية.

ومن أعماله “الهولوكوست السورية” وفي هذه المنحوتة يجسد النحات السوري “هلال” الوضعية التي يجلسها المعتقل، وأم الشهيد، والمغتصبة، والطفل الذي بلا مأوى، والشعب السوري في لحظات القصف. شعور الخوف والانكسار طاغي على المنحوتة.

وتحدث أيضاً عن هجرة السوريين من خلال عمل ثاني “بداية”، والمنحوتة عبارة عن شكل جناح طير، ولكن بشكل عبثي، ترمز لهجرة السوريين بشكل خاص.

وعن سبب التسمية “بداية” يوضح النحات السوري محمد هلال بأنها تمثلنا نحن السوريون المغتربون قسراً، حيث نعيش بداية جديدة، وغريبة ومثيرة وبذات الوقت مبهمة، ويضيف “هلال” أن الفراغ في المنحوتة يرمز إلى الأشياء التي فقدناها، أو تركناها مكرهين.

الهولوكوست السورية – منحوتة من أعمال النحات السوري محمد هلال
بداية – منحوتة ترمز لهجرة السوريين، من أعمال النحات السوري محمد هلال

وتعليقاً على دور هذا النشاط وردة فعل شريحة من الشعب الأوروبي في ألمانيا لهذا الفن الثوري السوري، علّق الفنان التشكيلي “زهران العقيل” المسؤول عن تنظيم فعاليات فنية في ألمانيا بتعاون مشترك بين ألمان وسوريين أن الأعمال الفنية السورية حققت نتائج مبهرة جداً على كل المقاييس، مضيفاً أنه تم شراء بعض الأعمال الفنية المعروضة خلال هذه الفعاليات، وتم من خلالها تكوين علاقات جديدة مع ألمان ومع الحكومة الألمانية.

وأوضح “العقيل” لحرية برس أن الفعاليات الفنية تشمل بالمقدمة فن تشكيلي، ونحت، تصوير ضوئي، وتستهدف الجمهور الألماني بشكل خاص، والأوروبي بالمجمل، كما يستهدف الجاليات العربية الموجودة في أوروبا.

واعتبر أن الأعمال السورية تترك أثراً كبيراً لدى المجتمع الأوروبي، وانبهاراً بهذا الفن الجديد على المجتمع الأوروبي، ودهشة من القضايا والرسائل التي تحملها هذه الأعمال.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل