هل أدرك الأتراك نهاية موسم الزيتون؟

معاذ عبد الرحمن الدرويش27 يناير 2018آخر تحديث :
هل أدرك الأتراك نهاية موسم الزيتون؟

يبدأ موسم قطاف الزيتون في سوريا في الشهر العاشر، تشرين الأول، ويستمر طيلة شهري تشرين الثاني وكانون الأول، ويسمى اليوم في تشرين الثاني بيوم الزيت، وهو يعتبر أقصر نهار في السنة السورية، وهناك مصطلح سوري يطلق عليه اسم “العفارة” وهو جني ما تبقى من زيتون بعد الانتهاء من القطاف الأول.

وقف الأتراك إلى جانب الثورة السورية منذ بدايتها، وكان لديهم شهية كبيرة للدخول إلى أراضيها، ظاهرياً لحماية الشعب السوري، وحقيقة للحيلولة دون قيام أي مشروع كردي على الحدود مع بلادهم، بعدما فضح الأكراد أنفسهم وعبروا عن رغبتهم في إنشاء كيان كردي منفصل منذ بدايات الثورة وغردوا خارج سرب الثورة السورية رغم ادعائهم بأنهم جزء منها.

حاول الأتراك جاهدين إقناع المجتمع الدولي بإقامة منطقة آمنة تحت حمايتهم، إلا أن الأميركان كانوا يقطعون الطريق أمامهم دائماً، من جهة ثانية، حاول الأتراك أن يتناغموا مع المجتمع الدولي على لحن محاربة الإرهاب، لكن الأمريكان تارة والروس تارة أخرى منعوا تركيا من الدخول إلى سوريا من هذه البوابة. ثم وجد الأتراك أنفسهم محاصرين ووحيدين بعد إسقاطهم للطائرة الروسية وقد أصبح وضعهم حرجاً ولا يحسدون عليه. وقطع الأمريكان الطريق أمام الأتراك بشكل نهائي عندما تعاونوا مع القوى والميليشات الكردية في لعبة القضاء على الأرهاب، وأصبحت الميليشات الكردية محاربة للارهاب، وهي المصنفة إرهابية بالنسبة لتركيا.

لكن الخطأ الكبير الذي ارتكبه الروس و الأمريكان معاً، كان في استعجالهم الإعلان القضاء على داعش، ومن ثم كان خطأ الأمريكان القاتل عندما أعلنوا تشكيل جيش لحماية الحدود السورية التركية من الميليشيات الكردية. وبذلك استنفد الأتراك صبرهم وانتهت فترة الحكمة السياسية لديهم، وكان لا بد من المغامرة والدخول الى سوريا، لأن أي انتظار آخر يعني أن الحرب ستندلع  داخل الأراضي التركية هذه المرة. وأصبح موقف الأمريكان ضعيفاً عندما أعادوا أسطوانتهم المشروخة -مقاتلة الإرهاب (داعش) أولاً- فالتنظيم ولّى ولم يبق له سوى جيوب صغيرة، وبالتالي أصبح موقف الأتراك قوياً للقضاء على ميليشيات تعتبرها إرهابية في ميزانها والميزان الدولي أيضاً.

يقول البعض أن تركيا غرقت في وحل عفرين، وهذا الكلام غير دقيق أبداً، فتركيا مهما قدمت من تضحيات على الأرض السورية هي الرابحة أخيراً، لأن أي تضحية خارج حدودها مهما كانت كبيرة خيرٌ لها من أي خلل داخل أراضيها، قد يطيح بما بناه الأتراك خلال العقود الأخيرة، ويهدد استقرارها الداخلي، أضف إلى أن المقاتلين الذين على الأرض أغلبهم من الجيش السوري الحر وهم أبناء تلك الأرض، بالإضافة  إلى أن الحاضنة الشعبية التي تحظى بها تركيا في الشمال السوري كبيرة.. صحيح أن الأتراك تأخروا كثيراً في الدخول إلى سوريا، لكن ربما دخلوا اليوم بالتوقيت والمكان الصحيحين.

دخل الأتراك في منتصف كانون الثاني أي في أيام “عفارة” الزيتون السوري، بعد أن جنى الروس الزيتون، وأخذ الأمريكان الزيت، لكن الأتراك لم يدخلوا لا بغرض الزيتون ولا بقصد الزيت، وإنما كل الذي تريده – كما يقولون – “أن  تنفذ تركيا بريشها” من المحرقة السورية، خاصة وأن الأتراك على يقين أن القوى العالمية هدفها الأول من إطالة نار الحرب في سوريا هو نقلها إلى داخل الأراضي التركية، فغصن الزيتون الذي رفعته تركيا شعاراً لعمليتها والذي يرمز إلى السلام، بكل تأكيد ليس من أجل السوريين بقدر ما هو من أجل الأتراك، لكن بالمقابل فإنه لا خيار أمام السوريين الأحرار إلا الوقوف بكامل إرادتهم وإمكانياتهم مع الجيران الأتراك.

فحتى لو كان لدى تركيا أطماع في سوريا كما يروج البعض باستخدام مصطلح “الاحتلال العثماني الجديد” وهو مصطلح “أسدي” بامتياز، فان الإحتلال العثماني خير للسوريين بمليون مرة من الاحتلال الإيراني أو الاحتلال الروسي أو الاحتلال الأمريكي أو بقاء نظام الأسد. وإن وجود أي قاعدة تركية ستكون بمثابة مظلة لحماية الجيش السوري الحر، والمدنيين، وهذا أيضاً مكسب كبير للثورة التي بقيت طيلة سبع سنوات عارية مكشوفة تحت نيران الطيران الروسي والأسدي والأمريكي.

لكن و مع البدء بعملية “غصن الزيتون” وظهور ملامح نجاحها، سرعان ما تبدلت الكثير من المواقف الدولية وعلى رأسها الموقف الأمريكي، والذي أبدى انحناءاً أمام التصميم التركي وأظهر رغبة أميركية في إقامة منطقة آمنة مع تركيا، والتي لطالما عارضتها واشنطن من قبل، وهذا يدل دلالة واضحة أن الأتراك وقفوا اليوم على الطريق الصحيح بعملية غصن الزيتون.

وإذا ما استمرت عملية غصن الزيتون بالنجاح؛ قد يؤدي هذا إلى تغيير جذري في خريطة الصراع في سوريا، خاصة وأنه أصبح واضحاً بأن هناك خلافاً روسياً امريكياً كبيراً حول ذلك .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل