توقعات العام الجديد

مروان قبلان27 ديسمبر 2017آخر تحديث :
توقعات العام الجديد

مع اقتراب العام من نهايته، والاستعداد لاستقبال عام جديد، تضعف المقاومة إزاء إغراء محاولة استشراف ما يحمله القادم للمنطقة العربية ومحيطها القريب.

وعلى الرغم من تطور مناهج الاستشراف وأدواته، إلا أن قراءة المستقبل لا تني تصبح أكثر صعوبةً بسبب تداخل مجموعة كبيرة من العوامل والمتغيرات، وصعود نوعيات من الفاعلين، غريبي الأطوار، إلى أهم المناصب القيادية في العالم (دونالد ترامب وشركاه) فضلا عن حصول تغير كبير في القيم والمفاهيم لدى النخب والشعوب على السواء.

على أن العلاقة بين القوى الكبرى وتفاعلاتها البينية تبقى، للأسف، المدخل الرئيس الذي في ضوئه تتحدّد الوجهة التي ستسلكها أكثر القضايا والأزمات التي تعيشها منطقتنا.

في الموضوع السوري، مثلاً، سوف يعتمد نجاح روسيا في فرض الحل السياسي الذي تنشده على مدى تعاون الولايات المتحدة وقبولها، إذ لم يعد هناك شك كبير في قدرة الرئيس فلاديمير بوتين على جمع أطراف الصراع السوري في سوتشي، بعد أن ضمن دعم تركيا والسعودية وإيران لمبادرته. ولهذا السبب، لم تعد المعارضة السورية في موقع يسمح لها بالمقاطعة أو الرفض، لأن ذلك سيتركها مكشوفة أمام الآلة العسكرية الروسية، كما يحصل اليوم مع فصائل الجبهة الجنوبية. لكن روسيا تعلم، من جهة أخرى، أن الإتيان بالمعارضة إلى سوتشي لا يضمن لها وحده النجاح، كما لا يعد توفر دعم القوى الإقليمية شرطاً كافياً للمضي بالتسوية، إذا لم يقترن بدعم أميركي، خصوصا أن واشنطن باتت من خلال حلفائها الأكراد تسيطر على أكثر من ثلث مساحة سورية، وربما ثلثها الأهم.

يقود هذا إلى الموضوع الآخر الذي يتوقع أن يستأثر باهتمام كبير في العام المقبل، الموضوع الكردي. هنا أيضاً سوف تعتمد قدرة تركيا على التعامل مع مناطق السيطرة الكردية على حدودها، خصوصا في عفرين ومنبج وتل أبيض، على الموقفين الروسي والأميركي، فإذا قرّرت واشنطن التخلي عن الأكراد، كما فعلت في شمال العراق، في محاولة لإنقاذ علاقتها بتركيا التي أخذت تميل بقوة نحو روسيا، أو إذا قرّرت روسيا، إمعانا في إبعاد تركيا عن الغرب، أن تخلي بينها وبين الأكراد في مناطق سيطرتها، فالأرجح أن تزداد وتيرة التدخلات العسكرية التركية وعمقها في شمال سورية. أما فيما يتصل بتنظيم الدولة الإسلامية، فسوف تبقيه الضربة التي تلقاها ضعيفا على المستوى الاستراتيجي في المدى المنظور، وإن بقيت احتمالات قيامه بعمليات خاطفة كبيرة على امتداد الحدود العراقية – السورية، قائمة. أما قضايا اللاجئين وإعادة الإعمار فسوف تكون من الأسئلة الكبرى المعلقة للعام المقبل.

ومن الموضوعات التي سيكون لها تأثير كبير في مجمل أوضاع المشرق العربي وصراعاته، موضوع الانتخابات العامة العراقية، وسوف تتركز الأنظار في الشهور الأولى من العام المقبل على التحالفات الانتخابية، وكيفية التعامل مع رغبة الحشد الشعبي المشاركة لضمان حصته في السلطة، بعد مساهمته في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. نتائج الانتخابات سوف تحدد حجم النفوذ الإيراني في العراق، وحصة الأطراف الأخرى، الإقليمية والدولية.

سوف يبقى موضوع القدس أحد أهم القضايا التي تشغل المنطقة العام المقبل، ليس فقط من خلال رمزية المدينة المقدسة الكبيرة، بل أيضاً من بوابة عودة القضية الفلسطينية لتحتل مكانها المعهود باعتبارها القضية المركزية والوحيدة، ربما، التي يجمع عليها الشارع العربي، وتأثير ذلك كله على خطط التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية – الخليجية خصوصا، بذريعة مواجهة إيران، وهي المواجهة التي تكاد تكون يقيناً غير ممكنةٍ، خارج حدود اللفظ والخطاب.

أما الحرب في اليمن، وهي الجرح الآخر النازف في جسد المشرق العربي، فقد تشهد بعض التطورات المهمة، في ضوء التحالفات الجديدة التي أطلقها مقتل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وإن كان الكثير هنا يعتمد على حكمة التحالف العربي، ومدى استقرار الأمور لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فكلما استقرت الأمور في الداخل قلت الحاجة إلى تحركات مباغتة خارجياً، لكن هذا يبقى غير مؤكد، لأن الخلاصات هنا تعتمد الحس السليم (common sense)، في حين أن الواقع، كما ثبت، يُبنى على اعتباراتٍ أخرى، ما جعل الفشل حليف كل التوقعات. وكل عام وأنتم بخير.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل