عندما ضاعت بوصلتي في حلب!

منذر فؤاد18 ديسمبر 2017آخر تحديث :
منذر فؤاد

قبل اندلاع الثورات العربية، وعندما كانت وسائل الإعلام تعرض المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، كنا نخرج في مظاهرات حاشدة، ونكتب عبارات غاضبة، رفضاً لما يحدث، انطلاقاً من إيماننا بأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، ونفس الأمر ينطبق على بقية القضايا الإسلامية الأخرى، كقضيتي العراق وأفغانستان وغيرهما.

لكن بعد إندلاع الثورات العربية، وتكاثر المآسي في أكثر من بلد عربي، أصبح كثيرون يتحدثون عن أوطانهم ويوميات القهر، دون التطرق لمآسي الآخرين في المناطق المجاورة، إذ أن ما عاشوه من المآسي كان كفيلاً بحصر التضامن في نطاق معين، دون أن يعني ذلك بالضرورة التخلي عن القضايا الإنسانية الأخرى.

شخصيا، كنت متحمساً لجميع الثورات العربية، وكنت أهتم بمتابعة أخبارها كلها دون استثناء، لكن النجاح المؤقت لبعض الثورات، وبقاء أخرى في دائرة المأساة والدم زاد من اهتمامي بها، والتفاعل الإنساني معها، كالثورة السورية وما عاشته من أحداث ومجازر عظام، استدعت معها حالة من الإهتمام بما يتناسب مع حجمها.

في يونيو 2016، وبينما كان الثوار يخوضون معركة لفك الحصار عن مدينة حلب، كنت أتفاعل مع ما يحدث عبر صفحتي الشخصية في فيسبوك، خصوصاً وأن تلك المعركة رافقها مجازر وحشية لنظام الأسد، والطيران الروسي في عدة أحياء، ولأنني كنت أقيم في مدينة تعز، كان من البديهي أن أتلقى انتقادات من زملاء صحافيين، بضرورة الإهتمام بالقضية اليمنية، كأولوية في المرحلة الراهنة، ولازلت أتذكر أن بعضهم كانوا يطلقون علي إسم منذر الحلبي، لما رأوه من اهتمام مبالغ فيه في قضية حلب حسب توصيفهم، في حين كان الإهتمام بالنسبة لي أمرا طبيعياً يمليه الضمير الإنساني، الذي يجاوز الحدود الجغرافية، لينتصر للإنسان ولو بكلمات معدودة، وحروف معبرة.

فرحت لفك الحصار عن حلب منتصف 2016، وحزنت عندما عاد مرة أخرى أواخر 2016، لكن هذه المرة كان الحصار الأخير للمدينة قبل أن تسقط بيد العصابات الموالية للنظام، بإسناد إيراني وروسي.

في اللحظات التي جرى فيها الإعلان عن حصار آلاف المدنيين داخل مساحة لاتتجاوز أربعة كيلو مترات مربع، وتوارد الأنباء عن مجازر بحق المدنيين، تفاعلت بكل ألم عما يجول في داخلي من حرقة، أضحت حلب مدينتي كما لم تكن من قبل، وتاهت بوصلتي في أحياءها المتداخلة، وهي ترزح تحت وطأة الغارات الجوية، عشت اللحظات العصيبة مع المحاصرين بمشاعري، كنت أحدهم وإن لم أكن بينهم.

كانت ملامح القهر ترسم نفسها في وجهي وأنا أشاهد اللحظات الأخيرة للمهجرين وهم يودعون مدينتهم، وقد كتب عليهم الخروج منها بالإكراه، توالت الأسئلة:لماذا قدر هذه المدينة العتيقة أن تصبح تحت سطوة جلاد ويهجر منها سكانها الأصليين؟ هل هناك قيمة لقوانين حقوق الإنسان وقد أخرج أهالي حلب من منازلهم بالإكراه؟ ثم هل سقطت حلب كمدينة، أم الإنسانية كقيم؟
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل