رعشة حرية

رانيا محمود15 مارس 2017آخر تحديث :
رانيا محمود

مزيج من الذكريات يعود إليّ ما إن يبدأ سميح شقير بغناء “ياحيف” ..
مشهد عناصر الأمن يدوسون الناس في قرية البيضا وأحدهم يقول : “قوم يا ابن الكلب قوم” ، مشهد التشوّه الذي لحق بأطفال درعا المعتقلين ..
أذكر تماماً الرعب المرافق لهذه الأغنية تحديداً ،،التي لم نعتد أن نسمعها عالياً خوفاً من الاعتقال والمساءلة ..
لم تكن مجرد ثورة كرامة ، كانت ثورة أبطال ..
على اعتباري ابنة مدينة درعا ، وأحد قاطنيها كان نصيبي في الثورة مضاعفاً ،، أحياها وأسترجع تفاصيلها ، لتأخذني في مخاض ذكريات سرمدي يأبى النسيان ..
مازالت شعارات البدايات تصدح في رأسي “حرية حرية ” ، “يلي بيقتل شعبه خاين ” ، “بالروح بالدم نفديك يا شهيد ” .. مايزال التشييع آنذاك قائماً ..
جنازات الشهداء .. _شهداءنا جميعاً_ مازالت غاضبة وعارمة ، مشيّعوها بالآلاف ..
لربما كان هذا العزاء لذوي الشهيد بأن استطاع دمه أن يوحّد مدينة بأكملها من اقصاها لأقصاها على هدف واضح مُوحد ..
أذكر جيداً يوم 25 نيسان 2011 ، الساعة 5 فجراً اجتياح درعا الأول ، كان في المشهد من عبثية ما يُثير الضحك والتقيؤ في آن ..
جيشٌ عرمرم ، مشاةً ومدججين بالأسلحة والدبابات ، يجتاحون شعباً مازال أعزلاً وسلميّ الحراك، ليصرخ أحد الجنود : “ع الجولان .. ع الجولان” .. ظنّاً منه أنه ذاهب لتحريرها وليس لإبادة الثورة في درعا ..
يتساءل أحدهم : أين البطولة في شعب تم اجتياحه ؟
حسناً .. حُسمت المعركة عسكرياً لصالح النظام لا عاقل يُنكر ذلك ،،لكن البطولة تجلّت في التمرد ..
كان الموت يحاصرنا ، لكن الشعب قاوم حتى بصوته ، وشقّت التكبيرات وجه السماء ، وأثارت ذعر رجال النظام ليطلقوا الرصاص كيفما اتفق .. ولكن الشعب لم يرضخ ..
كان المشهد يدعو للارتعاش حقاً ..
الأحياء المسيحية في درعا تردد التكبيرات مع المسلمين ، وكأن المدينة كلها فم واحد يناجي الرب ويتحدى الموت ..
برغم عزلنا القسري عن العالم الخارجي ، لكن هذا لم يمنع تسريب بعض الأخبار في الإذاعات المحلية عن انتفاض باقي المحافظات السورية نصرةً لدرعا المحاصرة ، وترديدها بلهجتنا : “يا درعا حنّا معاكي للموت” ..
اليوم شارفنا على إنهاء السنة السادسة من الثورة ومازالت أسطوانة الغرامافون السورية تُكرّر البدايات في ذهني ..
أُقرّ اليوم بأنني أوافق محمود درويش تقديسه للبدايات عندما قال : “أريد من الحب أوله” ، أنا أيضاً أريد من الثورة بدايتها النقية والعفوية .. لا أريد أن أدرك انقسامها اليوم بين أحمر وأخضر وأسود ..
أريدها ثورة شعب واحد بهتاف واحد يهزُ عروش السماء : “واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد ” ..
وانطلاقاً من البداية وغرقاً بها يجدر التنويه اقتباساً من غيفارا :
“الثورة حمراء كالجمر ، باقية كالسنديان ، عميقة كحبنا الوحشي للوطن .. ”
على أمل أن نشهد سورية حرّة أبيّة لكل السوريين ..

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل