التدخل العسكري التركي في سوريا بين الضرورة والخطورة

محمد زاهد غول19 أغسطس 2017آخر تحديث :
التدخل العسكري التركي في سوريا بين الضرورة والخطورة

تزداد يوما بعد يوم احتمالية التدخل العسكري التركي في سوريا، بعد عدة سنوات من بدء الصراع الدولي فيها، فتركيا حاولت قدر المستطاع الامتناع عن التدخل العسكري في سوريا مباشرة حتى هذه اللحظة.

وما عملية «درع الفرات» التي أعلنتها تركيا في أغسطس 2016 وانتهائها في تشرين الثاني من العام نفسه إلا تدخلاً غير مباشر أولاً، وتم دعماً للجيش السوري الحر لاستعادة مدنه وقراه من تنظيم «داعش» ثانيا، بعد أن أصبحت دعوى تحرير المدن السورية من «داعش» والتنظيمات الارهابية حجة إيرانية أولاً، ثم حجة روسية ثانياً، وحجة امريكية للتدخل العسكري في سوريا، واحتلال هذه المدن وتسليمها من قبل هذه الدول لمن يخدم مشاريعها، وينفذ أوامرها الحالية والمستقبلية في سوريا.

هذه الحجة المخادعة لاحتلال سوريا أو تقاسم احتلالها بحجة محاربة الإرهاب أو «داعش» شرعنت التدخل الدولي أولاً، وجعلت مشاريع الدول التي احتلت سوريا تسعى لجعل الأراضي التي احتلتها ضمن مناطق نفوذها في مستقبل سوريا بعد إنهاء الأزمة في مؤتمرات جنيف المقبلة، التي يتم الإعداد لها رغما عن كل الفصائل المقاتلة، بحسب اتفاقيات أستانة الأخيرة، وذريعة وقف التصعيد بحسب أستانة 5.

هذا الحذر التركي من التدخل العسكري في سوريا انتقده الكثيرون خلال السنوات الماضية، ظنا منهم أن التدخل العسكري لا يحتاج إلا للقدرات العسكرية فقط، ويجهلون أن حق التدخل الدولي لا تحكمه القدرة العسكرية، وإنما القوانين الدولية أولاً، وحق الدفاع عن النفس ثانياً، فتركيا لا تملك حق التدخل في سوريا، مهما وقع فيها من مجازر، ولكنها تملك حق الدفاع عن نفسها وأمنها من دون إذن دولي. أما منع القتل ووقف المذابح فهذا واجب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وعدم تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته نحو الشعب السوري، لا يعطي الدولة التركية منفردة ولا غيرها حق التدخل، إلا بإذن دولي، وأمريكا وروسيا وجدتا مصلحتيهما باستمرار القتال في سوريا لأهداف استعمارية في البلاد العربية وبلاد المسلمين، وتحكما بقرارات مجلس الأمن لإدامة هذا الصراع بغطاء دولي من الأمم المتحدة أيضاً.

فمنذ بداية الأزمة السورية كانت روسيا تنسق مواقفها مع أمريكا، وإدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فروسيا هي من وجهت بشار الأسد لاستخدام الجيش السوري لقمع الثورة في شهر سبتمبر من عام 2011، أي بعد ستة أشهر من اندلاع الثورة، وفشل الشبيحة والأجهزة الأمنية الأسدية من قمعها، وبعدها أخذ الجيش الإيراني الضوء الأخضر الأمريكي والإسرائيلي للتدخل عسكريا في سوريا بعد منتصف عام 2012 ، لإفشال نتائج مؤتمر جنيف1 أولاً، ولإحباط الثورة السورية ثانيا، ولكن الحرس الثوري الإيراني نجح في الأولى ولم ينجح في الثانية، فنجح بإفشال مؤتمر جنيف1، وفشل في قمع الثورة، ما اضطر روسيا للتدخل العسكري المباشر بتاريخ 30/9/2015، ووقع ما وقع من خلافات وتوترات بين روسيا وتركيا، على إثر هذا التدخل الغاشم، ولكن فشل روسيا بالقضاء على الثورة السورية ألجأها هي الأخرى لطلب المساعدة التركية، فكانت مؤتمرات أستانة لأخذ إقرار روسيا بوجود ثورة سورية معتدلة ومسلحة أولاً، بعد ان كانت ترفض ذلك، وفرض إقرارها بوجود من يمثلها من فصائل ثورية مسلحة في مؤتمر أستانة، وعقد الاتفاقيات الدولية معها، فتم تحقيق بعض النجاح للمعارضة السورية.

ولكن المشاريع الأمريكية وبعد أن دمرت سوريا وسمحت لإيران وروسيا بقتل شعبها وتشريدهم داخلها وخارجها، جاءت للخطوة الأخطر وهي جعل مؤتمر جنيف طريقا دوليا لتقسيم سوريا سياسيا، إلى كيانات منفصلة قوميا وطائفياً، وهذا الحل في النهاية يتوافق مع الرؤية السياسية والعسكرية الروسية، وكذلك فإن إيران لما وجدت انها لن تستطيع ابتلاع سوريا كاملة، فإن التقسيم السياسي لسوريا هو خيارها البديل، فهو الذي سيعطيها موطئ قدم في سوريا أكثر مما لها في لبنان الآن، بدليل أنها أخذت تعمل لهذا التقسيم السياسي الطائفي منذ بداية عام 2013، بتغيير البنية الديمغرافية في دمشق وحمص وحماة وحلب وغيرها، وأخذت تبني مصانعها العسكرية والصاروخية في مناطق نفوذها واحتلالها في سوريا.

إن المشروع الإيراني في سوريا على خطورته، لا يهدد الأمن القومي التركي مباشرة في هذه المرحلة، وكذلك فإن الاحتلال الروسي وبناء قواعد عسكرية روسية في سوريا على خطورته في المنطقة، ولكنه لا يهدد الأمن القومي التركي مباشرة، وأما التدخل العسكري الأمريكي في سوريا فإنه يهدد الأمن القومي التركي مباشرة وبصورة خطيرة جداً، لأنه يعمل لإقامة كيان انفصالي كردي شمال سوريا، وهذا بحد ذاته خطر أمني وعسكري على تركيا مباشرة، وهذا يجعل تركيا ترتب أولويات مواجهتها، وهذا الكيان الانفصالي الأمريكي الكردي هو في الوقت نفسه يمثل خطرا على الكيانات الانفصالية الأخرى، سواء التي تسعى لها المعارضة السورية، رغما عنها، أو التي يتم تفصيلها لتكون حصة للمعارضة السورية، أو التي يتم تفصيلها للنفوذ الإيراني أو للنفوذ الروسي، بدليل ان أمريكا قد بنت لها عشرة قواعد عسكرية في سوريا خلال السنتين الماضيتين، بطريقة غير قانونية على ذمة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وما إصرار أمريكا على رفض المشاركة التركية بتحرير الرقة، إلا لعلمها أن تركيا لن تسمح بموطئ قدم للجيش الأمريكي شمال سوريا، ومن ثم عملت أمريكا على أن تكون تركيا بعيدة عن المشاريع الأمريكية شمال سوريا، وكذلك أبعدت فصائل المعارضة والثورة السورية المعتدلة القريبة من تركيا عن مشاريعها، وأوقفت عنها الدعم العسكري والمعونات اللوجستية والإنسانية، واستصدرت قرارا من الكونغرس الأمريكي بذلك قبل أيام، لأن مشروعها بعيد عن مشاريع الشعب السوري الوطنية، وتعمل مع المليشيات الكردية مستغلة رغبتها في الانفصال ليكونوا جنودا مرتزقة لحماية قواعدها العسكرية في هذا الكيان الانفصالي، الذي تصنعه أمريكا بقدراتها العسكرية والسياسية وفق رؤية أمريكية استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط. هذا الخطر الأمريكي في شمال سوريا تحاول السياسة التركية ثنيه عن مخططاته المتهورة والخاطئة، لأن امريكا سوف تضع مستقبل تواجدها في سوريا تحت رحمة الحرس الثوري الإيراني والابتزاز الروسي، بل وابتزاز الأحزاب الإرهابية الكردية، التي يمكن ان تبيع ولاءها لروسيا أو لإيران قريبا، إذا وجدت أن مصالحها المستقبلية في أيدي روسيا أو إيران أكثر فائدة، وبالتالي فإن المراهنة الأمريكية على المليشيات الكردية أن يكونوا جنودها المحليين ليقاتلوا على الأرض بدل الجنود الأمريكيين لن يضمن لها القدرة على البقاء، وإذا أصرت أمريكا على ذلك فإنها تكرر خطأها في العراق بعد احتلالها عام 2003، حيث خضع الجيش الأمريكي لابتزاز إيران وحرسها الثوري في العراق، والميليشيات التابعة له، واضطر للانسحاب عام 2010، بعد ان خسرت أمريكا 4000 جندي وأربعة ترليونات من الدولارات الأمريكية ذهبت هباء منثورا.

إن تركيا التي تجنبت التدخل العسكري في سوريا طوال هذه السنين ستجد نفسها مضطرة لعمل عسكري قاصم مثل السيف، لمنع إنشاء أي كيان انفصالي على حدودها الجنوبية في سوريا، لأن الضرورة تفرض عليها مواجهة الخطورة، وخطواتها الضرورية هي مواصلة دعم فصائل الثورة والمعارضة السورية المعتدلة، التي يعترف بها المجتمع الدولي، لتملأ هي الفراغ الذي يحدثه زوال تنظيم «داعش» عنها، فهذه الفصائل السورية هي صاحبة الأرض الأصلية، وهي أحق من غيرها بالدفاع عنها وإقامة المنطقة الآمنة فيها، والعمل لعودة الشعب السوري إليها، بعد ان شرد عنها منذ سنوات، فتركيا لا تسعى لاحتلال أراض سورية، ولا توسيع نفوذها، ولا المشاركة باقتسام سوريا مع أمريكا وروسيا وإيران إطلاقاً، وإنما تدعم أحد مكونات الشعب السوري، بل المكون الرئيسي منها، ليأخذ حقه ويدافع عن أرضه، بعد ان أصبح بشار الأسد ونظامه جزءاً من الهيمنة الإيرانية والنفوذ الروسي بموافقة أمريكية وإسرائيلية، وهذا يفرض على الدول العربية وفي مقدمتها الأردن ودول الخليج العربي أن تدعم المكون العربي في سوريا، فهذا واجب عليها في الدفاع عن نفسها الآن، وقبل توسع النفوذ الأجنبي فيها أكثر.

المصدر القدس العربي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل