قراءة تركية لخرائط الشرق: التقسيم السوري والعراقي والمحوران الجديدان

فريق التحرير28 يونيو 2017آخر تحديث :
قوات تركية في سوريا – أرشيف

تدخل المنطقة مع معركة طرد تنظيم “داعش” من مدينة الرقة، مرحلة لا يبدو أنها ستقل عنفاً عن سابقاتها، متمحورة على إعادة رسم خرائط النفوذ في كل من سورية والعراق، وذلك بعد إعادة ترتيب المحاور في المنطقة الذي بدأ مع حصار قطر، بين محورين رئيسيين، الأول مكون من كل من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر بقيادة الولايات المتحدة وبدعم وتعاون وثيق مع إسرائيل، أما المحور الثاني فيتكون من كل من تركيا وإيران وروسيا بالتعاون مع النظام السوري وحكومة بغداد.

وبات تقاسم تركة “داعش” إحدى العقد الأساسية في إعادة تموضع المحاور السابقة، وبعد محاولات عديدة من قبل النظام السوري والمليشيات ذات الولاء الإيراني بالتقدم باتجاه معبر التنف مع العراق والذي تسيطر عليه قوات مدعومة من قبل المحور السعودي الإماراتي بدعم أميركي، يبدو أن مساء يوم الأحد كان فارقاً لناحية وصول التصعيد بين المحورين إلى أوجه. وبينما كان النظام السوري برفقة قوات تابعة لحزب الله اللبناني يحاول التقدم جنوب منطقة الطبقة الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية التي تقودها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) وتتعاون مع قوات النخبة السورية قليلة العدد والتابعة لرئيس الائتلاف السوري السابق، أحمد الجربا، والمدعوم من الإمارات، قام الطيران الأميركي، بإسقاط طائرة سورية من نوع سوخوي ٢٢، لأول مرة بشكل مباشر، تلاها اشتباكات عنيفة بين قوات سورية الديمقراطية والنظام السوري جنوب مدينة الطبقة.

لم تمض ساعات حتى قامت طهران باستعراض واضح للقوة، بإطلاق صواريخ باليستية، للمرة الأولى منذ الحرب العراقية ــ الإيرانية، باتجاه محافظة دير الزور السورية وليس محافظة الرقة، فيما بدا محاولة لرسم حدود النفوذ ولردع الأميركيين عن محاولة منع النظام السوري من فك الحصار على قواته في دير الزور وإعادة السيطرة عليها.

برر الحرس الثوري إطلاقه ستة الصواريخ بالانتقام من قيام “داعش” بعمليات في قلب العاصمة الإيرانية، طهران، في السابع من شهر يونيو/حزيران الحالي، إذ انطلقت الصواريخ الإيرانية من قواعد في كل من محافظتي كرمنشاه وكردستان (غرب البلاد) عابرة مسافة 650 كيلومتراً فوق الأراضي العراقية باتجاه كل من حقل التنك النفطي وريف مدينة الميادين.

وبينما التزمت الخارجية التركية الصمت عن إطلاق الصواريخ الإيرانية وإسقاط الطائرة السورية، كان الموقف الروسي واضحاً، بإدانة قيام الطيران الأميركي إسقاط مقاتلة النظام. وعلى الرغم من أن بيان التحالف الدولي أكد بأن واشنطن حاولت التواصل مع الروس لردع النظام السوري من دون جدوى، لم يحل ذلك دون صدور تهديد روسي مباشر لأميركا باعتبار طائراتها فوق الأجواء التي تتواجد فيها قوات روسية، هدفاً يمكن إسقاطه.

إعادة التموضع التركي

رغم الخلافات الكبيرة بين أطرافه، تشكل المحور الثاني تحت ضغط الضرورة بإعادة تموضع تركيا الحذر للغاية، بعد التصعيد الكبير الذي تقوده بشكل أساسي كل من أبوظبي والرياض، والذي أعلن الحرب على إيران “عبر حصار قطر ودعم الأكراد”، مما أدى إلى خلط كبير في الأوراق.

وجدت تركيا أن مصالح أمنها القومي مستهدفة بشكل مباشر، بعد زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الرياض، حيث افتتح المحور السعودي الإماراتي حربه، بحصار قطر، التي تعتبرها تركيا حليفاً استراتيجياً وقف إلى جانب أنقرة في مواجهة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز الماضي، بينما كان المحور السابق من الداعمين للمحاولة، تمويلاً وتحريضاً، وكذلك بعد دعم المحور ذاته تفتيت كل من سورية والعراق، سواء عبر دعم تنظيم استفتاء إقليم كردستان العراق من قبل الإمارات، أو بعد الدعم غير المباشر لقوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) بدفع بعض القوات العربية محدودة القوة والمدعومة منه كقوات النخبة بتأمين تغطية لسيطرة القوات الكردية وتوسيع نفوذها بالسيطرة على محافظة الرقة وطرد داعش منها.

يعتبر مراقبون أتراك أن الاستراتيجية الإماراتية ــ السعودية تقوم على إقامة منطقة عازلة كردية على الحدود التركية ومنطقة عازلة عربية سنية على الحدود العراقية السورية، في إطار إبعاد النفوذ الإيراني عن حدود هذه الدول العربية بشكل أساسي من خلال الأكراد، ما يهدد الامن القومي التركي والإيراني ووحدة أراضيهما برأي كل من أنقرة وطهران.

وفيما يتخوف الإيرانيون بشكل أساسي من استقلال إقليم كردستان العراق، ترى أنقرة بأن توسيع نفوذ الاتحاد الديمقراطي سيشكل تهديداً وجودياً على الأمن القومي التركي، لأنه سيشرعن تواجد العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية في إطار فيدرالية سورية سيعمل الأخير على فرضها بكل السبل.

ولا تبدو الاستراتيجية الإماراتية السعودية في التحالف مع الأكراد واقعية، لأن كل حقائق التاريخ والجغرافية والاقتصاد، لن تترك لإقليم كردستان العراق لو انفصل و”استقل”، أو لمناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي الحالية، أي منفذ بعيداً عن إيران أو تركيا، وسيضطران بالضرورة في المستقبل للعودة إما لطهران أو إلى أنقرة.

الدفع بتركيا نحو روسيا وإيران

رغم كل المحاولات التركية لتجنب الدخول في أي اصطفافات والتصعيد ضد كل من أبوظبي والرياض، وجدت الإدارة التركية نفسها مضطرة للإعلان بشكل رسمي عن قاعدتها في قطر ومن ثم إرسال تعزيزات إلى القاعدة تم الاعلان عنها بشكل رسمي، يوم الأحد، وذلك بعد التصعيد الكبير ضد الدوحة وصولاً إلى حديث الاعلامي الموالي للرياض وأبوظبي عن قلب نظام الحكم في قطر.

أما في السياق السوري، فلم تترك الإدارة الأميركية أمام تركيا أي بديل عن التوجه نحو روسيا والتنسيق مع إيران، بسبب إصرارها على التعاون مع الاتحاد الديمقراطي في معركة الرقة، رغم العروض المختلفة التي قدمتها أنقرة لواشنطن. وبدأ التنسيق التركي مع كل من روسيا وإيران من خلال مؤتمرات أستانة المتوالية التي نجحت في النهاية في إنشاء مناطق تخفيف تصعيد في كل من من محافظة إدلب وحلب وريف حماة وصولاً إلى ريف حمص، بينما استمر التصعيد في محافظة درعا ولم يتوقف إلا قبل أيام.

لم يقتصر التنسيق التركي الروسي على الأزمة السورية، بل تجاوزه للتعاون في مجال إنشاء خط السيل التركي لنقل الغاز الروسي عبر الأراضي التركية إلى أوروبا، وصولاً إلى التصريحات الروسية المتوالية عن التوافق مع أنقرة حول بيعها منظومة “أس 400” الصاروخية الدفاعية لأنقرة، فيما يعتبر خرقاً كبيراً في نظام التسليح التركي المعتمد على الغرب، ولو أنه تم في حقبة الحرب الباردة لما أبقت الحكومة التركية في موقعها أكثر من أيام قبل حصول انقلاب عسكري.

وأعرب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يوم الأربعاء الماضي، بحسب ما نقلت صحيفة صباح الموالية للحكومة التركية، عن قلقه من التقارب التركي الروسي. وبحسب الصحيفة، فقد أكد تيلرسون أن أهداف الإدارة الأميركية تقوم “على عدم تعقيد العلاقات مع تركيا بشكل أكبر، والعمل على إيجاد سبل لإعادة الانخراط بين الجانبين وتعزيز العلاقات التركية الأميركية”، حتى يكون للولايات المتحدة بعض التأثير على خيارات تركيا وخاصة في ما يتعلق بنوعية الديمقراطية التركية.

على الجانب العراقي، يبدو التعاون الإيراني ــ التركي ــ العراقي أكثر وضوحاً، بالتعاون بين القوات المسلحة العراقية وقوات حراس نينوى التابعة لمحافظ موصل السابق، أثيل النجيفي، والتي قامت القوات التركية بتدريبها، وذلك عبر إنشاء حواجز (نقاط سيطرة) مشتركة في الموصل. وأكد محمد يحيى، أحد القادة الميدانيين في قوت حراس نينوى، في تقرير من إعداد موقع “الجزيرة” الانكليزية، تم بثه السبت الماضي، بأن “حرس نينوى ليس تابعاً لأثيل النجيفي، لكن عناصره تعمل تحت قيادة القوات العراقية وإن كانوا يودون تصفية حساباتهم مع النجيفي عليهم أن يفعلوها خارج الإطار العسكري”. في غضون ذلك، لم تتوقف هجمات المعارضة السورية المدعومة من قبل أنقرة في درع الفرات على “قوات سورية الديمقراطية”، في محاولة لاستعادة السيطرة على المدن والبلدات الواقعة غربي أعزاز والتي ينحدر منها هؤلاء المقاتلون، بعد سيطرة المليشيات الكردية عليها بدعم روسي في وقت سابق من العام الماضي. ولا تزال هذه القرى والبلدات خالية من سكانها، حتى أن كلاً من المجلس العسكري لكل من تل رفعت ومنغ ومرعناز المدعومين من أنقرة، أعلنوا، يوم الإثنين، إنهاء تكليف لواء المعتصم بإدارة المفاوضات مع قوات الاتحاد الديمقراطي حتى انسحاب الأخيرة من البلدات.

إسرائيل المستفيد الأكبر

وتبدو دولة الاحتلال الاسرائيلي أكبر المستفيدين من كل تحركات المحور السعودي الإماراتي، فكل الاستراتيجية لا تخدم أي طرف مثلما تخدمها؛ فمن جهة عملت وزارة الخارجية السعودية على استهداف حركة “حماس”، بينما تصب اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، في مصلحة إسرائيل أيضاً، إذ إنها تقضي بتنازل مصر عن الجزيرتين لصالح السعودية مقابل مساعدات مالية، ما يحيل المضيق برمته من مياه إقليمية مصرية إلى مياه إقليمية دولية تمتلك فيها كل من السعودية ومصر كيلومترين من أصل 8 كيلومترات تشكل عرض المضيق، وبالتالي سيصبح المضيق مياهاً إقليمية وستخسر مصر إحدى أهم أوراقها ضد إسرائيل في أي مرحلة مقبلة. أما تقسيم سورية والعراق، فسيكون هو الآخر، تحقيقاً لواحدة من أهم الأحلام التي لطالما راودت تل أبيب، فلن يكون هذا التقسيم فقط بداية لتفتيت الدول الوحيدة المؤهلة لمواجهة إسرائيل في أي وقت، بل سيشرعن أيضاً وجود إسرائيل كدولة يهودية بما ينهي حق العودة إلى الأبد، بينما ستستمر عمليات قضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتهويد القدس.

  • نقلاً عن: العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل