مواطن مخبر وحرامي.. جدلية السلطة والشعب

فراس علاوي29 مايو 2017آخر تحديث :
مواطن مخبر وحرامي.. جدلية السلطة والشعب

* فراس علاوي

مواطن ومخبر وحرامي، عنوان لفيلم مصري كوميدي، لكن هذه الكلمات اختصرت جدلية السلطة والشعب في الأنظمة العربية.

الأنظمة العربية بعمومها هي نتاج الفرز الدولي السياسي والاقتصادي لما بعد الحرب العالمية الثانية والإنقسام الذي نتج عنها، لكنها جميعاً تشترك في كونها أنظمة شمولية قمعية تتعامل مع شعوبها من منطلق دكتاتوري مخابراتي، حيث الفرز الواضح للمجتمع على أسس مصلحية ونفعية تعتمد على ولاء الفرد المطلق للسلطة وانخراطه فيها ومدى استفادة السلطة الحاكمة من هذا الفرد وكيفية استغلاله لمصلحتها ولتسويق أفكارها وأعمالها.

علاقة الفرد بالسلطة لا تعتمد على أهمية الفرد وتحصيله الثقافي والمعرفي، بقدر ما تعتمد على ولاء هذا الفرد وقدرته على تقديم التنازلات الكبرى الأخلاقية والعملية من أجل بقائه في فلكها، كذلك تبقي السلطة على علاقتها بالفرد بقدر ما يقدم لها من خدمات تعتبر في نظر كلا الطرفين جليلة، فالسلطة ترى فيها تبعية حقيقية وضمان لاستقرارها وسيطرتها في حين يرى فيها الفرد خدمة كبرى تضمن بقاء منفعته وسطوته في محيطه.

من هنا تأتي فكرة المواطن والمخبر والحرامي …

فالمواطن..

يبقى في مكانه بين عموم الشعب طالما هو بعيد عن فلك السلطة، يتلقى الفتات الذي تلقيه له السلطة ويرضى بالقليل مهما كانت مداركه ومعارفه، فهو لا يختلف عن كونه جزء من هذه المنظومة الشعبية والإجتماعية المهمشة، هذا المواطن في نظر السلطة هو المختبر الذي تقوم فيه بتنفيذ تجاربها والحصول على امتيازات سلطوية جديدة في كل مرة تختبر فيها الشعب المستكين.

المواطن في نظر السلطة هو تابع يزداد تمسكاً بها كلما عملت على تهميشه وإقصائه والتضييق عليه، لذلك فهي توجد قوانين اجتماعية خاصة تعمل على بقاء هذه التبعية للسلطة، وبالتالي يكون الحلقة الاضعف في هذه السلسلة، من الممكن للمواطن أن يقفز لحلقة أقوى من حلقات الارتباط بالسلطة بل وقد يصل للحلقة الاقرب لكن ذلك يحتاج طرقاً ومواهب كبرى في كيفية الوصول والتملق وبإثبات قدرته على الانحياز للسلطة وتقديم التنازلات على حساب المواطنين مثله وبالتالي يترقى في درجات السلطة حسب هذه القدرة.

المخبر..

هو الحلقة الاخرى في السلسلة، وهو يمثل الطبقة الوسطى في سلسلة السلطة والتي تربط السلطة بالمواطنين، وهو يملك صلاحيات محدودة من قبل السلطة ويمارس سلطات كبرى على المواطنين، هذا الرمز أو الشخصية هي بالغالب شخصية منتفعة من السلطة لكن منفعتها تكون بمقدار ما تقدمه من خدمات وهي غالبا لا تتورع عن التضحية بأقرب الناس لها سواء من المواطنين أو من نفس الطبقة وبالتالي قد يقفز لحلقة أعلى في السلطة لكن من الصعب جداً أن تنزل السلم لدرجة أقل، بذات الوقت هو يعمل كوسيط بين المواطن والسلطة.

الحرامي..

وهو السلطة بكل مالها وما عليها، فهي قد اغتصبت الحكم وولت نفسها على المواطنين دون رغبة منهم ومارست عليهم قوتها وقوانينها فيما امتلكت مقدرات البلاد وسيطرت على جميع مفاصلها.

ترتكز السلطة في يد قلة قليلة تمارس كل أنواع السرقة والإجرام بمفاهيمها المختلفة لكنها تحتفظ بحلقات أخرى ليست أقل إجراماً لكنها أقل سلطة، تكون يدها وعينها التي تمارس بها سطوتها، وهي من الصعب أن ترتقي للحلقة الأعلى إلا بانقلاب شامل بدعم من قوة خارجية تحصل على امتيازات كبرى من القوة الطامحة وبالتالي تتحول هذه القوة لحلقة أعلى على مواطنيها لكنها تتقمص دور المخبر أمام القوى الأخرى والخارجية.

هذه العلاقة بين السلطة (الحرامي) والمخبر (المنتفع والوسيط ) والمواطن (الضحية) تمثل قصة الحكم وجوهر العلاقة في بلداننا المنهوبة التي تظهر وكأنها مزارع لزعمائها المتسلطين على رقاب شعوبها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل