مسلسل عبد الحميد الثاني: المثالية والتضليل وأشياءٌ أخرى

فريق التحرير7 مارس 2017آخر تحديث :

  • لبابة شهاب

غلب العالم العربي الآن علي علم بخطى سير الدراما التركية من بعد متابعته لمسلسل “قيامة أرطغرل” بأجزائه الثلاثة، والذي يروي حكاية أسلاف عثمان غازي. وعلى الرغم من أنني ظننت أن نفس طاقم مسلسل قيامة أرطغرل أو جزء منه سيشارك في صناعة المسلسل، لكن هذا الفريق مختلف تمامًا. وهو ما فرحت جدًا لمعرفته، إذ إن اتجاه مخرجين وكتّاب أكثر بدأ الآن يميل نحو إنصاف التاريخ العثماني وأصبح في خزانتهم عملين فنيين على قدر كبير من الاحتراف.

مخرج المسلسل – يوسف اسينكال – هو أيضًا من قام يإخراج مسلسل “فيلينتا”، مسلسل في فترة السلطان عبد الحميد الثاني كذلك. قال إسينكال في بيان حول مسلسل عبد الحميد الثاني: “يحكي المسلسل قصة السلطان العثماني عبد الحميد والحقبة الزمنية التي عاش فيها طبقاً للأصل، فهو يهدف إلى إبراز تاريخ الدولة العثمانية الصحيح بطريقة نستخلص منها الدروس ونوجه من خلالها رسائل للجمهور؛ لذلك فالمسلسل مختلف والمشروع ضخم”.

بمشاهدة الحلقة الأولى منه صرت أعلم يقينًا أنه سينجح في عرض هذه الفترة وملابساتها بطريقة تاريخية مبسطة للمشاهد العادي. برأيي أن سير المسلسلات من بداية قيام الدولة حتى أطرافها الأخيرة أيضًا كان في غاية البراعة، إذ إن القرون التي تفصل بين قيامها وسقوطها لا حاجة للحديث عنها، فقد نالت حقها من التأريخ. فهذه الفترة لم ينقض عليها مائة عام ومع ذلك تجد قد نالها من التضليل والتحريف ما غيّر قناعات أجيال بأكملها عن الدولة العثمانية وسياساتها المُتّبعة.

مهما اختلفت الآراء حول السلطان عبد الحميد الثاني فالجميع يعلم الأحوال التي صارت إليها البلاد قبل توليه الحكم وظروف توليه الحكم أيضًا. تبوأ عبد الحميد – الذي لم يكن قد تم عامه الرابع والثلاثين – عرش السلطنة بعد أخيه الذي لم يمكث بها أكثر من 93 يومًا. تبوأها بعد ما كان الخراب قد تمكن من جذور دولته سياسيًا واجتماعيًا، داخليًا وخارجيًا. كانت مثلًا ديون الدولة حينها أكثر من ملياريّ ليرة عثمانية، وهو ما فتح بابًا لعرض الصهاينة تضحيات مادية ضخمة في سبيل توطين اليهود في فلسطين.

 ولو رجعنا عدة سنين للوراء قبل توليه السلطنة لوجدنا أن الدولة كانت علي موعد مع الانهيار منذ زمن، ففي عهد والده – عبد المجيد – ومن بعده عمه – عبد العزيز – كان قد بدأ تشكيل جماعة تركيا الفتاة (Jön Türkler) سريةً، وهي جماعة رأت أن إنقاذ الدولة لا يكون إلا في نظام برلماني بالمفهوم الأوروبي. ثم نشطت جهودها وبدأت تتحرك بشكل أكبر وفي عام 1889 امتدت لتصل إلي قطاعات أكثر. كان من المؤسسين “الأمير صباح الدين”، على الرغم من اتصاله المباشر للعائلة الحاكمة.

وقد عمل عبد الحميد لاحقًا على القضاء على نفوذهم أثناء توليه الحكم، لكن لاحقًا وعند تأسيس جمعية الاتحاد والترقي، انضم إليها معظم أعضاء تركيا الفتاة حتى تم عزل السلطان ووجهت له أربعة تهم سأعلق على واحدة منهم فقط: الإسراف.

في الربع الأول من الحلقة، ستظهر مدبرة القصر وقت الفطور وهي تأمر إحدى الخادمات برفع طبقٍ زائد على السفرة قائلةً: “ألا تعلمين أن السلطان لا يحب الإسراف؟”، فاتهامه بالإسراف كان مبتذلًا جدًا في الحقيقة. الإسراف، حقًا؟

قد بدأ أيضًا قبل اعتلائه العرش “عهد التنظيمات”، وهو مصطلح يعني “تنظيم شؤون الدولة وفق المنهج الغربي”، أي أنه تم استبعاد العمل بالشريعة الإسلامية تدريجيًا وبدأت الدولة تتخذ أشكال الحياة الغربية. وعلى الرغم من جهود السلطان المتفانية، إلا أنها لم تستطع غير تأجيل موعد سقوط الخلافة عدة أعوام.

الجميل أن خط زمن المسلسل لا يتناول فترة عبد الحميد الثاني منذ ولادته أو بداية توليه الحكم مثلًا، بل من عام 1896 أي آخر ثلاثة عشر عامًا من حكمه. ويتطرق للفترات الأكثر حساسية في عهده، مثل حرب اليونان ومطالبة المؤتمر الصهيوني الأول للسلطان ببيعه أرض فلسطين، ومواصلة السلطان المحافظة عليها حتى النهاية. ويتناول العمل أيضًا ما حققه السلطان عبد الحميد من إنجازات إبان فترة حكمه، أهمها إنشاء السكك الحديدية التي تربط بين الولايات العثمانية.
هذه الفترة العصيبة هي تمامًا ما يحتاجه عامة المشاهدون. فأي فترة سابقة قد أنهتكها الكتب، أما ما يليها، فنحن محكومون بهراء كتاب تاريخ أغلبهم من الاتحاديين بعد تسلمهم الحكم.

تظهر منذ الحلقة الأولى، عدة مشاهد وشخصيات وجمل تروي كل ما ذكرته سلفًا: نجد مثلًا ظهور الشخصيات المعارضة وسعيهم “للحرية”، شخصيات كل من صباح الدين و”هرتزل” رئيس الجمعية الصهيونية، ستظهر في أول حلقة.

ثوانٍ قليل أيضًا لخصت كلمات كثيرة عندما نادى صباح الدين أمه “مامي” فاستهجنت ذلك منه وماذا حدث ل anne الكلمة التركية الأصيلة لأمي؟ وبرر لها بلمَ لا “ننظرقليلًا للغرب؟”.
يقوم بدور البطولة الممثل “بولنت اينال” وهو من ستظهر براعته منذ الطلة الأولى، الحنكة والذكاء والعزة التي رويت عن السلطان عبد الحميد نجدها متجسدة فيه ببراعة.
يضم الفريق الفني قرابة 120 شخصا، بينما يشارك أكثر من 400 فرد في تمثيل المسلسل الذي يعرض مساء كل جمعة.

أول لقطة.. أول انطباع للمشاهد.. أول وجه يظهر، كلها أشياء أرى أن طاقم العمل اهتم بها جيدًا.. لذلك كان أول مشهد من المسلسل أخاذّا جدًا، وبالطبع لن أذكر تفاصيله هنا.
بالمجيء إلى تصميم شارة المقدمة، فقد كان الأروع على الإطلاق، بهيّا بسيطًا أضفى روحًا عزيزة للمسلسل.

تنتهي الحلقة بمشهد عظيم، تتجلي فيه روح الخليفة في مساعدة المجاهيدن في الهند بإخبارهم بأماكن ذخيرة الإنجليز “ليعلموا أن خليفتهم معهم”.
الحلقة الأولى فقط تم نشرها إلى الآن، ولنأمل أن يتسم المسلسل بالاعتدال، وأن يعطي كل ذي حق حقه دون نقص ولا مغالاة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل