كم من أم كلثوم قتلت فينا؟!

رانيا محمود9 يناير 2018آخر تحديث :
رانيا محمود

بالعودة إلى تاريخ حياة كوكب الشرق “أم كلثوم” التي تنحدر من بيئة متواضعة ومحافظة، إلا أنها استطاعت بفضل ذكائها وصوتها الخرافي أن تنجو من ضلالة ذلك الزمن، ولكن طوق نجاتها الأساسي كان والدها الذي بحسب الروايات قد دعمها في إلقاء الأناشيد الدينية أولاً والأغاني لاحقاً في الوقت الذي اقتصر الكُتّاب فيه على الذكور حصراً.

كان تصرفاً جريئاً جداً من أب شرقي في زمن كان صوت الأنثى فيه مُغيباً، وفي كل مرة أُعبر عن دهشتي من شجاعة هذا الأب أبتسم بملء غضبي واستهزائي! 

أستهزئ من تواضع احلامي التي تجعلني أقف شاردة بهول الموقف، الذي يُفترض بحكم المنطق أنه تصرف طبيعي جداً!
ولكن موجة الغضب التي تجتاحني أبقى و أطول عمراً، غضب من هذا الدرك الذي انحدرنا إليه بحيث أصبحنا نستهجن دعم الأب لابنته في حلم لم تجرؤ على التفكير به حتى!

اليوم أصبحت الأنثى الشرقية أمام مواجهتين، الأولى لمحيطها القريب، والثانية لقسوة المجتمع وتعنته.

كل أنثى تولد محاربة بالفطرة أو بالوراثة، لكن معركتها الأولى هي في انتزاع حق الحياة كإنسان سوي، ثم تنصرف لتحارب من أجل أحلامها وطموحاتها.

في مجتمعنا تمارس الأنثى جزءاً كبيراً من حياتها بدور المتفرج، تشاهد نجاحات الآخرين وانجازاتهم كعيون معتقل خلف زنزانة يطمح للحرية يوماً ولكنه لا يجد إليها سبيلاً، فهي معتقلة إلى ما شاء الله بتهمة أنها “أنثى”! 

والطريف أن السجان لا يُحاكم ولا حتى إنسانياً ولديه حصانة دائمة مدى الحياة.

لأنها أنثى يُحرّم عليها الحلم ، وتدمغ بطابع مجتمعي لتكون أنثى “نحب أول” يتجمهر من حولها “العرسان”!

وشيئاً فشيئاً تُقتل روح الإبداع والموهبة فيها لتغدو جثة هائمة على وجه الحياة، تبحث عن ملجأ تُلقي فيه خيباتها، فهي لن تواجه سجاناً تحمل دمه واسمه.

والمفارقة أن أغلب السجانين من عشاق “أم كلثوم” ..! يا ترى هل فكر أحدهم بعظمة والدها الذي رفع الستار عن تحفة فنية خالدة توارثتها الأجيال؟ 

هل فكر أحدهم بأن تكون ابنته “أم كلثوم” ثانية من حيث الموهبة والنجاح؟! 

هل يخطر ببال أحدهم أن يحصي كم من “أم كلثوم” قتلها بجبنه وشنق أحلامها بحبل المجتمع و”كلام الناس”؟

أنا فعلاً أدين لوالد هذه الفنانة العظيم، فلولاه لا عاشت أم كلثوم ولا سطّر التاريخ شجاعة وفضل أب مثله.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل