قصص من الثورة.. رضوا أن يكونوا معبرا لنصل إلى النصر

فريق التحرير20 يونيو 2016آخر تحديث :

IMG_6823

*بسام الرحال

أربعة أعوام من الحرب المستمرة التي يشنها نظام الأسد ضد الجيش السوري الحر لم تثن مقاتليه عن الاستمرار بالتضحية بحياتهم وارتباطهم بعائلاتهم التي حملوا السلاح  دفاعا عنها.
ظروف الحرب فرضت عليهم السعي لأن يكونوا أكثر تنظيما في تحركاتهم وتنقلاتهم على الجبهات حفاظا على أنفسهم، ومن أجل عودتهم الى أهلهم سالمين.
فرغم كل ما عاناه مقاتلو الجيش الحر من مواقف وقصص عن مآسي و ويلات الحرب تبقى إنسانيتهم هي من الدافع لحمل السلاح حفاظا على أهليهم من إرهاب الأسد المتواصل منذ أربعين سنة.

بقناصته أوقف رتلا عسكريا وأجبرهم على الانسحاب:

” أنس” أحد مقاتلي المعارضة في ريف حمص الشمالي يقول: “تركت مقاعد الدراسة وحملت السلاح منذ بداية الثورة لأني أعلم أن هذا النظام لا يجب التعامل معه إلا بالقوة، فقدت الكثير من الأصدقاء في المعارك التي خضناها مع النظام، كان أخرهم صديقي “عمار” الذي استشهد في معاركنا مع قوات الأسد في ريف حماه الجنوبي.

و يروي “أنس” لـ “حرية برس” قصة استشهاد صديقه “عمار” قائلاً : “في أحد أيام المعركة زاد القصف بشكل عنيف، كنا نعاني من نقص في الذخيرة، وبدأت قوات الأسد تتقدم يرتل بشري ضخم مصحوبا بعدد من المدرعات داخل قرية “حربنفسه”، وفي خطوة جريئة أخذ “عمار” قناصته وتمركز في موقع متقدم وبدأ عملية صد الرتل شبه المستحيلة، لا أعلم كم قتل منهم لكننا التقطنا من ترددهم المخترق على الأجهزة اللاسلكية رسالة من أحد العناصر إلى القائد فحواها: (لحقونا يا سيدي وخلي الطيران يضرب لقدامنا ب 800 متر لأن في أكتر من مية قناص متخبيين، هلكونا هلاك يا سيدي)”.
يضيف “أنس”: مع العلم لم يكن في ذاك الموقع إلا “عمار” لوحده مع قناصته التي دبت الرعب في قلوبهم وأجبرت الرتل على التوقف، واختبأ الجنود خلف المدرعات خوفاً من هذا القناص الذي أرداهم بين قتيل وجريح، وفجأة سمعت صوت انفجار هائل وقريب، لأكتشف بعدها أن طائرة حربية قد استهدفت موقع “عمار” بصاروخ موجه وأنه أستشهد على الفور”.

قتلته شجاعته:

” أبو عبدالله” قائد ميداني في حركة أحرار الشام يقول: “بعد كل ما خسرته خلال هذه السنين السابقة من الحرب لم يعد لدي الآن شيء أحزن عليه، ولم أعد أخشى من الموت كما كنت سابقا، فخلال مشاركتي في المعارك الدائرة مع قوات النظام وتعرضي للكثير من المواقف التي كدت أفقد فيها حياتي، أدركت أن لكل إنسان أجل لا يموت إلا عندما ينقضي أجله”.

ويحكي لنا  “أبو عبدالله” عن موقف خلال إحدى المعارك في ريف حمص الشمالي، وهو كما أخبرنا من المواقف التي لن ينساها أبدا، فيحدثنا قائلا : “طلب مني “عزام” وهو شاب وسيم في مقتبل العمر وذو أخلاق حميدة، أن يكون في مجموعة الاقتحام فرفضت لأني أردت مقاتلين ذوي خبرة قتالية، وهو لا زال صغير السن وجديداً على خوض المعارك، كلفته بأن يكون في مجموعة التغطية التي تساند الأخوة في مجموعة الاقتحام، فذهب هو ومجموعته إلى مكان مكشوف أمام الدبابة وبدأت المعركة من جهته، فواجه الدبابة وجها لوجه ودمرها بقذيفة أر بي جي ثم تكلم إلى الأخوة على اللاسلكي وأخبرهم بأنه دمر الدبابة فلهم أن يقتحمون الآن، ومن شدة حماسته وشجاعته طلب من مجموعته أن تبقى في مكانها ونزل لوحده وانغمس في وسط الحاجز، وأحدث فيهم مقتله عظيمة، وعندما وصلت مجموعة الاقتحام وبدأت بالهجوم على الحاجز، فان يكلمهم على اللاسلكي ويقول لهم لا تطلقوا النار علي أنا في وسط الحاجز، فلم يصدقوا حتى خرج من وسط الحاجز وهو يكبر، لتبادره طلقة من قناص كان مختبئاً، استقرت في صدره، فسقط شهيداً مخضباً بدمه بعد أن أذاقهم الويلات، قال في لحظاته الأخيرة لرفقائه الذين حاولوا أن يسعفوه: “أبلغوا أميري أبا عبدالله مني السلام وأخبروه أن يسامحني لأني خالفت أمره”.

وأنهى “أبو عبدالله” قصته ببسمة ممزوجة بالدموع وقال: “لقد قتلته شجاعته، سامحك الله يا عزام”.

لا تغسلوني وخذوني إلى أمي تودعني:

” ابو الحارث” أحد المقاتلين الذين شاركوا في تحرير قرية “أم شرشوح” في ريف حمص الشمالي يحدثنا عن قصته في المعركة قائلاً: “كنا أنا وزميلي مرابطين في إحدى الجبهات وعلى أهبة الاستعداد لاحتمال تقدم الجيش النظامي على مواقعنا، وبينما كنا نراقب الجبهة المقابلة لنا من بعيد التفت إلي صديقي “أحمد” وهمس بصوت ضعيف قائلاً: “إذا مت أمانة برقبتك يا ابو الحارث ما بدي يغسلوني وخذني لعند أمي تشوفني وتودعني قبل الدفن”
يتابع “أبو الحارث”: “أسكته في منتصف كلامه وقلت له: إن شاء الله سننتصر ولن يحدث ذلك، وإن حدث فنحن بإذن الله شهداء، وما هي إلا لحظات حتى قطعت حديثنا رشقات الرصاص وبدأت الاشتباكات، وبينما كنت أبدل مخزن الرصاص نظرت إلى “أحمد” وإذ ابه ساكن ولا يتحرك، زحفت باتجاهه وقلبت جسده على ظهره وإذ بطلقة قناص في منتصف صدره وقد فارق الحياة”.
يتابع أبو الحارث : “صدمت حتى أصابني ضيق تنفس ولكنني لم أستطع البكاء، وبعد أن هدأت الاشتباكات نقلته مع بعض الأخوة الى السيارة لأنفذ وصيته وأوصله إلى أهله، وما إن وصلت به إلى أهله حتى بدأ الصراخ والبكاء لفقدانه، لكن أمه كانت بصبرها ثابتة كالجبال لدرجة أنها لم تبك عليه، نظرت إليه وهو ممدد أمامها مغمض العينين وقالت: ( الله يرضى عليك يا ابني، الله يرضى عليك يا حبيبي يا أحمد)، ثم عاجلتها قائلاً: يا خالة إن ابنك أوصاني بأن أحضره لك لتودعيه، و أوصى أن لا تغسلوه وادفنوه بثيابه، فنظرت إلي وسقطت دمعة صامتة من عينها وقالت: خذوا الشهيد وادفنوه وبروا له بوصيته ودخلت بيتها وأغلقت الباب”.

إن الفظائع التي يعيشها الناس اليوم من قصف وتدمير وتهجير وتعذيب أصبحت عادية ومن صلب الحياة اليومية ،فلم يعد يكترث بها أحد، والموت في كنف الأحداث أصبح ضيفاً يومياً للبلاد، ما يجعل الثوار والمقاتلين أكثر إصرارا على المضي وتحرير الأراضي من سيطرة قوات النظام، و إن مواقف هؤلاء الأبطال في رباطهم وصمودهم في ساحات القتال من أهم الإنجازات التي لولاها لما تحقق أي نصر ميداني، فتحية لروح الشهداء الأبطال الذين قبلوا أن يكونوا معبراٌ لنصل إلى النصر .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل