حكاية سوريا – كيف تعاملت المعارضة مع ظاهرة “الانشقاقات”؟

زكي الدروبي27 ديسمبر 2017آخر تحديث :
حكاية سوريا – كيف تعاملت المعارضة مع ظاهرة “الانشقاقات”؟

مع تصاعد وتيرة المظاهرات السلمية في بداية الثورة، واتساعها وزيادة أعداد المشاركين فيها، قام النظام بمواجهة هذه المظاهرات بعنف وقمع شديدين، فقد أطلق الرصاص الحي مباشرة على صدور المتظاهرين، واعتقل كوادر التنسيقيات وقام بتصفية الكثير منهم تحت التعذيب، وشن حملات الاعتقال العشوائي، ما أدى لاستشهاد الآلاف من أفراد الشعب السوري خلال الشهور الأولى من عمر الثورة.

وكان النظام قد دعا المعارضة السياسية لطاولة حوار برئاسة فاروق الشرع النائب الأول لرأس النظام، في الأيام الأولى للثورة، وخرج اللقاء بتوصيات عديدة بهدف تخفيف قبضة النظام الأمنية على المجتمع، وإجراء اصلاحات سياسية، ومحاسبة من قتل المتظاهرين، لكن النظام لم يطبق أياً من الاصلاحات التي وعد بها، بل على العكس زاد من دمويته وشراسته.

ومع سيطرته المطلقة على أجهزة الأمن والجيش، بما يمنع من أي تحرك جماعي يغير رأس النظام، ويدفع البلد نحو الاصلاحات السياسية، ظهر يأس كبير من الناس من هذا النظام، وامكانية دفعه لتحقيق أي اصلاحات سياسية، هذا اليأس ظهرت نتائجه بحمل بعض النشطاء وبعض المدنيين للسلاح.

بداية كان استخدام السلاح للدفاع عن النفس، ثم تطور الاستخدام لتكون البندقية لحماية الأحياء السكنية من عصابات “الشبيحة” التي تدخل وتختطف النساء، كي تخضع سكان الأحياء التي تشهد مظاهرات ضد النظام، ثم تطور لحماية المظاهرات، وبالفعل بدأنا نشهد خروج أحياء بكاملها عن سيطرة قوات النظام، فلم تعد قوى الأمن تستطيع الدخول والعبث، وكان لابد من عمل عسكري تشارك به وحدات من الجيش كي تستطيع الدخول لهذه الأحياء، وهكذا شهدنا الأعمال العسكرية في بانياس وفي باباعمرو وفي غيرها من المناطق السورية.

إقحام الجيش في مواجهة الشعب أدى لتململ أعداد كبيرة من العناصر والضباط وصف الضباط، فقد شهدوا بأعينهم إجرام قوات النظام، والمجازر المرتكبة وكان يشارك الوحدات العسكرية التي دفعت لتقتل الشعب الثائر، عناصر من قوى الأمن والمخابرات، وعناصر من “الشبيحة”، وكانت الكلمة الاخيرة في الأعمال العسكرية لعناصر الأمن و”الشبيحة”، ولم تكن لضباط الجيش.

تطور هذا التململ إلى ظهور ما سمي بظاهرة الانشقاقات، بعد أن رفض الآلاف من الضباط وصف الضباط والعناصر الوطنيين تنفيذ أوامر القتل الموجهة لشعبهم، وفضلوا ترك الخدمة وترك هذا النظام القاتل، معلنين انتماءهم لثورة الشعب السوري.

بالمقابل شجعت كافة قوى المعارضة عمليات الانشقاق التي جرت في الجيش، لكنها في الوقت نفسه، لم تتواصل مع المنشقين، بل تركتهم يواجهون مصيرهم.

لقد وقعت المعارضة السورية آنذاك في فخ دعاية النظام، بأن اللقاء معهم، وتنظيمهم، وتشجيعهم، يعني عسكرة الثورة، رغم أن النظام لم يتخل يوماً واحداً عن استخدام السلاح ضد الشعب السوري. أدى هذا البعد والتجافي، مع التربية العسكرية التقليدية التي كان العسكريون خاضعين لها، والتي تعلي من شأن العسكر بمواجهة السياسي، خصوصاً وأن السياسة مغيبة لسنوات طويلة عن المجتمع، كل هذا أدى لحدوث هوة كبيرة، بين المجموعات العسكرية التي بدأت تتجمع هنا وهناك، وبين مؤسسات المعارضة السياسية، ولم تستطع الأخيرة الاستفادة ممن انشق عن النظام ولم تقم بتنظيمهم، بل تركتهم فريسة للإسلام السياسي الذي تدخل وبدأ يمول هذه المجموعات، وساعدته بعض الدول التي تدعي صداقتها للثورة، ما سمح للقوى الدينية والمتطرفة باحتكار العمل العسكري.

وكنت قد شرحت في مقالات سابقة من حكاية سوريا، كيف استطاع النظام الهيمنة على المجتمع من خلال تفريق المجتمع السوري لمكونات ما قبل سياسية، وسيطرته على هذا المجتمع من خلال السيطرة على رموز هذه المكونات.

المجتمع المقسم لمكونات ما قبل وطنية بفعل النظام، بالإضافة لإشرافه على تغذية الفكر الطائفي والمناطقي، وتجهيزه لكوادر التطرف في سجونه، والتي أطلقها حين جاء دورها، وسهل لها الحصول على السلاح، وسهل لها حرية الحركة، والمجازر والأعمال الطائفية القذرة التي كان النظام يقوم بها، ساهمت بارتفاع أصوات التطرف والتي هيمنت على العمل العسكري كما أسلفت، فوصلنا للنصرة وداعش وجيش الاسلام والرحمن و…الخ، والتي خدمت النظام خدمة كبيرة وجليلة نجد آثارها هذه الأيام واضحة تماماً.

لم تقم مؤسسات المعارضة السياسية آنذاك (هيئة التنسيق والمجلس الوطني) بدراسة ظاهرة الانشقاقات، ولم تقم بتنظيم العسكر المنشق عن قوات النظام، متأثرين بدعاية النظام كما أسلفت، وحين قرر قادة الائتلاف التدخل بالعمل العسكري وتنظيمه كان القطار قد فاتهم وخرجت الامور من أيديهم.

هذا التجاهل لا يعني نفي الظاهرة، بل كان يعني أن هناك قوى أخرى ستستقطبهم وتتعامل معهم وتستفيد منهم ومن غضبهم من النظام، ولأن طريقة العمل العسكري التي استخدمت في الثورة السورية (تحرير المناطق وحرب الأماكن) عمل مكلف، لا يستطيع الأفراد ولا حتى الأحزاب تمويله، فقد تدخلت الدول في التمويل والتنظيم مقابل الهيمنة، وخرجت الأمور من يد السياسيين، وساد أمراء الحرب، والتطرف، وتجارة الأسلحة وغيرها، وبقيت مجموعات وطنية صغيرة تمثل الوجه الناصع للثورة السورية وهي تتآكل يوماً بعد يوم.

وهذا ما نحصد نتائجه اليوم من هيمنة الدول على القرار، وخروج الأمر من يد السوريين، وما نحتاجه فعلاً هو عودة السياسة للمجتمع عبر تكوين الأحزاب والتجمعات، لتتجمع مع بعض في مؤتمر وطني يشكل قيادة للثورة السورية وتعاون ما تبقى من المجموعات العسكرية الوطنية مع القيادة السياسية المنتخبة للثورة السورية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل