حكاية سوريا – الأحزاب السورية قبل الثورة

زكي الدروبي20 نوفمبر 2017آخر تحديث :
حكاية سوريا – الأحزاب السورية قبل الثورة

تحدثت في المقالة السابقة (نتائج تغييب السياسة عن المجتمع السوري) عما فعله النظام ليغيب السياسة عن المجتمع، وليحول الصراع من صراع سياسي لصراعات ما قبل سياسية تمنع توحد الشعب ضده وتسهل عليه استبداده ونهبه لمقدرات الدولة عبر السيطرة على رموز مكونات الشعب السوري، وقلت أن الحملة الأمنية الواسعة الشرسة في ثمانينات القرن الماضي أبقت على الأحزاب المعارضة كرمز لمقاومة الاستبداد دون أي فعالية جماهيرية، فما هي الأحزاب السياسية الموجودة في سورية قبيل انطلاق الثورة؟ وكيف كانت العلاقات بينها؟ وكيف كانت علاقتها مع الشارع السوري؟

يمكن أن نقسم القوى السياسية قبل الثورة إلى أحزاب النظام والأحزاب البينية وأحزاب المعارضة، وتحدثت في المقال السابق أن تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية كان له ثلاث أهداف لم يحقق منها أي هدف، وتحول هذا التحالف السياسي لدكان سياسي يعتاش منها ذوو القرار التابعين للسلطة وأجهزة مخابراتها، وتحول لتجمع اعلامي شكلي دون أي فعالية تذكر، وتألفت الجبهة الوطنية التقدمية (أحزاب النظام) من الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش والحزب الشيوعي السوري يوسف فيصل والاشتراكيين العرب والوحدويين الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب الوحدويين الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي والبعث بالإضافة إلى النقابات العمالية واتحاد الفلاحين واتحاد شبيبة الثورة … الخ .

بعد عملية التوريث ووصول بشار للسلطة سمح بهامش بسيط من الحريات والعمل السياسي، وراقب التكونات والتجمعات التي حصلت، ومن ثم أعاد قمع المعارضة السياسية التي بدأت تتشكل وتكبر وتلقى صدى، واعتقل قادتها، وأبقى على الأحزاب البينية القريبة منه والمعدة لامتصاص أي تحرك شعبي باسم المعارضة وأكبر هذه الأحزاب البينية هو الحزب القومي السوري الاجتماعي واللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين بزعامة قدري جميل والتي تحولت فيما بعد لحزب الإرادة الشعبية.

بالمقابل استفادت أحزاب المعارضة من هامش ضيق جداً من الحرية سمح به النظام وبدأت في العمل، وكانت تتألف من:

أ – التجمع الوطني الديمقراطي وتشكل عام 1979 وكان التجمع الأكبر والأبرز بين قوى المعارضة وضم كلاً من (حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي – الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) – حزب العمال الثوري العربي – حركة الاشتراكيين العرب – حزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي، وفي عام 2006 انضم حزب العمل الشيوعي) وقد بقي بعد حملة الثمانينات مشلولاً دون أي فعالية تذكر، وكان بقاؤه كرمز معارض للنظام لا أكثر.

ب – الاخوان المسلمين ولم يكن لهم وجود تنظيمي داخل سوريا بعد ثمانينات القرن المنصرم، لكن كان لديهم مريدون وموالون دون انتماء تنظيمي.

ج – حزب التحرير الاسلامي.

د –تجمع اليسار الماركسي “تيم” والذي أعلن عن تأسيسه بتاريخ 20/4/2004 ويضم الأحزاب التالية : “هيئة الشيوعيين السوريين – حزب العمل الشيوعي – حزب اليسار الكردي – أعضاء في الحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي – الحزب الشيوعي السوري تحت التأسيس ( نذير الجزماتي ) – و تجمع اليسار الماركسي الديمقراطي – سلامة كيلة بصفته الشخصية”، ولم يستطع التجمع أن يحقق تواجد مهم في الساحتين الشعبية والسياسية لحداثة تأسيسه.

عدم تحقيق نجاح مهم لـ “تيم” قابله شلل وجمود في التجمع الوطني الديمقراطي منعه من التقدم والاستمرار، وانعكس في خلافات داخلية منعته من عقد مؤتمره، وفيما بعد توافقت أحزابه على تأسيس تجمع آخر سمي اعلان دمشق أضيف إليه قسم من الأحزاب الكردية، وعدد واسع من المستقلين …

هـ – الأحزاب الكردية.

عدم وجود حياة سياسية، جعلت المعارضين لنظام عائلة الأسد يخصصون القسم الأكبر لمناوشاتهم الداخلية مع بعضهم البعض، وتضخمت النرجسية وكبرت الأنانية وعقلية الهيمنة والإقصاء لديهم، وانعكست في انفجار إعلان دمشق عند أول انتخابات أدت إلى إبعاد الأمين العام للاتحاد الاشتراكي ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي باتفاق مسبق.

تحول هذا العمل – اسقاط حسن عبد العظيم في الانتخابات – لفتيل أزمة حولت العلاقات الداخلية في إعلان دمشق وفي باقي مؤسسات المعارضة إلى علاقات تأزم وصراع بدلاً من علاقات حوار وتعاون، ولمسنا نتائجه في الثورة حين حرض المجلس الوطني على هيئة التنسيق واتهمها بالعمالة للنظام ودفع المتظاهرين لرفع لافتات “هيئة التنسيق لا تمثلني” ودفع المجلس الوطني زعرانه في القاهرة لضرب ممثلي هيئة التنسيق وكسرت يد الدكتور عبد العزيز الخير، وبالمقابل حرضت هيئة التنسيق على المجلس الوطني واعتبرته مجلس اسطنبول وعميلاً للخارج و… الخ.

حاول الاتحاد الاشتراكي رد الضربة لإعلان دمشق داخل التجمع الوطني الديمقراطي، خلال المؤتمر الذي كان سيعقده التجمع ولم يعقد. بعدها حاول حزب الاتحاد الاشتراكي انشاء تجمع موازي لإعلان دمشق وقام بدعوة عدد من الاحزاب كتجمع اليسار الماركسي “تيم” وبعض الأحزاب الكردية وشخصيات مستقلة، واستمرت اللقاءات والحوارات بينهم لفترة من الزمن إلى أن قمعها الأمن ومنعهم من التجمع وكان يلاحقهم من مكان لآخر واستدعى عدد من المشاركين في هذه الحوارات ولم يكتب لهذا العمل أن ينجح.

يمكن أن نرى من خلال ما سبق أن طبيعة العلاقات بين أفرقاء المعارضة حين انطلقت الثورة السورية كانت علاقات تأزم وصراع ومحاولة اقصاء بعضهم البعض بدلاً من أن تكون تعاون وحوار وتفاهم، كانت البوصلة منحرفة، لم يكن همهم الأوحد هو النظام السوري المستبد، بل كان همهم الهيمنة والسيطرة والزعامة، رغم أن الجميع كان متفق في البرامج السياسية، نظام مستبد وسقفهم في ذلك الوقت إصلاحات سياسية تكون أساساً لتطور البلد.

إذاً؛ عندما انطلقت الثورة السورية كانت الاحزاب المعارضة متصارعة مع بعضها البعض، ولم يكن هناك تواجد تنظيمي فعلي للإخوان المسلمين في سورية، وكانوا يحاولون التواصل والتحالف مع الجميع، من عبد الحليم خدام إلى إعلان دمشق…، وأحزاب النظام كانت ميتة والأحزاب الكردية بنفس حال أحزاب المعارضة، غير متفقة فيما بينها والصراعات البينية بينها أكبر من صراعاتها مع النظام، وأحزاب بينية تنتظر تعليمات المخابرات، وبسبب التشديد الأمني الكبير بقيت الأحزاب المعارضة بعيدة عن الشارع وبقيت مجرد أحزاب نخبوية.
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل