تنامي مشاعر العداء للنازحين السوريين في لبنان

فريق التحرير28 أغسطس 2017آخر تحديث :
لبنان – مخيم عرسال للاجئين السوريين – عدسة سلام مصري

لم يخرج أبو يزن من شقته في شمال لبنان إلا فيما ندر منذ أن تعرض للضرب في الشارع في يونيو حزيران الماضي.

فقد كان خارجا من صيدلية في منتصف الليل تقريبا عندما اتجه إليه غريبان وطلبا منه إشعال سيجارة. ثم سألاه إن كان سوريا.

وقال أبو يزن (32 عاما) الذي يعيش بالقرب من مدينة طرابلس اللبنانية ”وقت قلتلن أنا سوري نزلو عن الموتير (الدراجة النارية) وبلشو فيني ضرب. واحد بلش بايديه واجريه.واحد شلح القشاط (الحزام) عن خصره وبلش فيني يضرب على ضهري وعلى رجلي وعلى رأسي. وما قدرت أعمل شي.

“زوجتي عم تعيط وتناجي إن يجي حدا يساعدنا بس للأسف ما حدا قدر يقرب. وقالولي إذا منرجع منشوفك مرة تانية هون بدنا نقوصك. هددوني بالقتل”.

على مدى ست سنوات ظلت التوترات تتصاعد مع تدفق 1.5 مليون سوري على لبنان أي ما يعادل ربع سكانه. وواجه النازحون موجات من العداء منذ تفجر الصراع في سوريا.

غير أن النقاش حول وجود السوريين اتخذ طابعا أكثر خشونة في الشهور الأخيرة وغذاه قادة سياسيون يقولون إن لبنان فقد صبره على العبء الاجتماعي والمالي الذي خلقته أزمة النازحين.

وطالب الساسة اللبنانيون بعودة النازحين إلى سوريا وحذروا من الغضب الشعبي المتزايد.

ومثل أبو يزن يقول نازحون آخرون إنهم يختبئون في بيوتهم أو في المخيمات خوفا من التعرض للاعتداء أو للاعتقال أو للإذلال.

وفي الشهور الأخيرة اتحدت أغلب الأحزاب اللبنانية الرئيسية في المطالبة بعودة السوريين إلى بلادهم وهو مطلب صعب في ضوء الدمار الذي تسببت فيه الحرب في سوريا.

وحذرت جماعات حقوقية من إعادة السوريين قسرا إلى بلادهم وكثيرا ما يردد النازحون أنهم يخشون تجنيدهم في الجيش السوري.

وتأتي الدعوات لإعادة النازحين إلى بلادهم في وقت تعمل فيه الحكومة السورية على تدعيم سيطرتها على المراكز العمرانية الرئيسية وقد خففت اتفاقات لوقف إطلاق النار من حدة القتال مع المعارضة في مناطق من غرب سوريا.

* مناخ الاستقطاب

لم تشهد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اتجاها متصاعدا في البلاغات عن الاعتداء على السوريين لكنها أعربت عن قلقها للتوترات المتنامية.

وقالت ليزا أبو خالد المتحدثة باسم المفوضية إن البلاغات عن الاعتداءات لا تزال تمثل حوادث معزولة غير أن النازحين يشعرون بتوتر أكبر وبالخوف.

وقد تصاعدت التوترات في يونيو حزيران بعد أن ألقى الجيش اللبناني القبض على مئات السوريين خلال مداهمة مخيمات للنازحين قرب الحدود وأثناء تلك المداهمات هاجم مفجرون انتحاريون جنود الجيش.

وعندما توفي أربعة من المحتجزين فيما بعد أثناء احتجازهم قال الجيش إن سبب الوفاة أمراض مزمنة. وطعن ناشطون ونازحون في تلك الرواية وقال البعض إن سبب الوفاة هو التعذيب.

وفي ذلك المناخ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لثلاثة رجال لبنانيين يضربون نازحا في أحد الشوارع. واحتجزت السلطات المعتدين.

ويقول سوريون في لبنان إنهم يواجهون مضايقات واسعة النطاق. وقال بعض من التقت بهم رويترز إنهم يشعرون بتدهور الوضع في الأسابيع الأخيرة غير أن آخرين قالوا إنها جزء من حياتهم اليومية بوصفهم نازحين.

وقال نازح يعيش وسط خيام مؤقتة في قضاء عكار ورفض ذكر اسمه بسبب مخاوف أمنية “باتعرض للاساءات، للمسبات، للإهانات من قبل أشخاص زعران. كتير مضايقات. ما منسترجي نطلع برات البيت”.

وقال أبو يزن الذي جاء إلى لبنان قبل خمس سنوات إن كثيرين تعاطفوا مع أسرته غير أن مشاعر العداء والاعتداء الأخير تركت أثرها عليه.

وأضاف ”كتير بأسمعه حكي وتعنيف بالكلام إن انتو يا سوريين ما خليتوا لنا شغل انتو يا سوريين جيتو خربتو البلد. انقلعو عبلادكن …

“اجينا علبنان ما أجينا بكيفنا. اجينا هربانين من حرب. اضطرينا نيجي عشمال لبنان كونه اعتبرنا إن هني أهلنا وإخواننا. بس ما اتوقعنا يوم من الأيام إن بصير فينا أو يصير فيني هيدا الموقف”.

ويخشى كثير من اللبنانيين أن يهدد النازحون أمن البلاد ويمثلوا عبئا على اقتصادها الراكد الذي تأثر بشدة بالحرب السورية. ويقول آخرون إن النازحين يأخذون أشغالهم أو يفرضون أعباء على الخدمات العامة التي تعاني من اختلالات بالفعل.

ولفترة طويلة تحاشت الحكومة اللبنانية إنشاء مخيمات رسمية للنازحين. ولذا يعيش كثيرون من السوريين في تجمعات من الخيام يعانون من الفقر ويواجهون قيودا على الإقامة القانونية أو العمل.

وخلال قداس الشهر الماضي حث البطريرك الماروني بشارة الراعي الساسة على العمل من أجل إعادة السوريين إلى بلدهم.

واتهم البطريرك النازحين بخطف خبز اليوم من أفواه الشعب اللبناني ودفعه للفقر والحرمان.

* تبرم من النازحين

قال ناصر ياسين الباحث في سياسات اللاجئين بالجامعة الأمريكية في بيروت إن المجتمعات اللبنانية تزداد تبرما باستضافة أعداد كبيرة من النازحين.

ويضيف أنه رغم وجود مشاعر الاستياء من قبل “فقد تغيرت الأمور جذريا في الأسبوعين الأخيرين … وغذاها في الغالب الساسة وزعماء آخرون”.

وحذر ياسين من اتجاه الساسة لصب الزيت على النار بتضخيم العبء الفعلي لأزمة النازحين.

وقال “تصور أن تخرج الأمور عن السيطرة. تلك وصفة لحرب أهلية”.

ويخشى الساسة أن يعمل وجود نازحين سوريين من أبناء المذهب السني في الأساس على زعزعة استقرار لبنان في الأمد البعيد من خلال تغيير التوازن الطائفي الدقيق.

وقد أذكى الصراع السوري المنافسات السياسية والانقسامات الطائفية التي لم تلتئم بعد منذ الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990.

وقال زياد الصائغ مستشار السياسات العامة في وزارة الدولة لشؤون النازحين إن الأمم المتحدة وقوى الأمن والمسؤولين المحليين يحشدون قواهم جميعا لتخفيف التوترات.

وكانت جماعات حقوقية وناشطون انتقدوا لبنان لتجاهل الأزمة في سنواتها الأولى وعدم وجود سياسة وطنية للتعامل مع تدفق النازحين. وقال الصائغ إن الوزارة تعمل الآن على تطوير سياسة لتنسيق العمل بين مؤسسات الدولة.

وأضاف “الأعباء الاجتماعية الاقتصادية تخطت الحدود وطول الأزمة أثر على علاقات المجتمعات المضيفة بمجتمعات النازحين”.

وتابع “كل لبنان يريد العودة. ليس (ثمة) خلاف على موضوع العودة … المهم قناة التنسيق في العودة تتم من خلال الأمم المتحدة المعنية الوحيدة بتوفير ضمانات”.

وتطالب جماعة حزب الله وحلفاؤها الذين يؤيدون الرئيس السوري بشار الأسد الدولة اللبنانية بالعمل مع دمشق غير أن منتقديهم يعارضون ذلك بشدة. ويصر رئيس الوزراء سعد الحريري وآخرون على ضرورة أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على إعادة النازحين.

وقد لعب حزب الله المدعوم من إيران دورا رئيسيا في إبعاد المتشددين السنة عن منطقة الحدود كما أرسل ألوفا من مقاتليه إلى سوريا لدعم حكم الأسد.

وبمقتضى اتفاقات الجلاء التي توسط فيها حزب الله رحل ألوف النازحين عن منطقة الحدود الشمالية الشرقية في لبنان إلى سوريا منذ منتصف يوليو تموز. وتخشى جماعات حقوقية أن يكون النازحون عادوا لأنهم شعروا أنهم تحت ضغط في لبنان.

وتقول الأمم المتحدة إن الوقت لم يحن بعد للعودة الآمنة. ولم تشارك الأمم المتحدة في تلك الاتفاقات المحلية وأعربت عن مخاوفها ألا تستوفي تلك الاتفاقات المعايير القانونية والمبادئ الانسانية.

ومع ذلك فالآلاف الذين عادوا يمثلون قطرة في المحيط بالمقارنة بحجم أزمة النازحين في لبنان.

المصدر رويترز
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل