الفرار من بوتقة داعش.. الطريق ما بين الدم والدمع

فريق التحرير19 يناير 2017آخر تحديث :

لجين سليمان المليحان – حرية برس

تروي التقارير القادمة من داخل دير الزور وهي شحيحة، إن تنظيم “داعش” اتخذ سياسة الترهيب والقمع وفرض العقوبات والغرامات والاستحواذ على ممتلكات المدنيين مبدأ له، والهدف من ذلك إخضاع وإجبار المدنيين على  الدخول تحت مظلة التنظيم.

عائلة أبو أحمد هربت من محافظة دير الزور الخاضعة لسيطرة التنظيم داعش، اضطرت العائلة إلى قطع طريق طويلة هرباً من ظلم الحياة فيها ومن داعش وإجرامها، قضت أياماً بلياليها على طريق السفر بسيارة في رحلة التيه المحفوفة بالمخاطر، حيث قطعت في رحلتها هذه معظم مناطق البادية السورية التي يوجد فيها من المخاطر والصعوبات ما لا يوصف.

تجلس أم أحمد في خيمتها الرثة وقد جمعت أطفالها حولها بينما يجلس زوجها أبو أحمد شارد الذهن وينفث دخان سيجارته. تقول أم أحمد: “إنها رحلة الفرار من الجحيم إلى الجحيم فقد كانت الحياة في مناطق الدواعش أشبه بالجحيم والوضع في مخيم الركبان أيضا لا يخلو من احتمالية الموت إلا أن الموت على يد داعش يعد موتا مؤكدا مما دفعناً لاختيار أهون الشرين”.

وتتابع أم أحمد :”لم نستطع الصبر أكثر وتحمل العيش في مناطقهم وتحت حكمهم، لقد فرضوا على الذين يخرجون من مناطق داعش إلى باقي المناطق التي تدعى (أرض المرتدين) أن يدفعوا مبلغ مالي ضخم أو يرهن عقار لحين عودتهم إلى (أرض الخلافة)على حد قولهم”.

أم أحمد كباقي أهالي دير الزور الذين كبلتهم قوانين التنظيم وأثقلت أوزارهم من فرض الرسوم الباهظة على كل شيء”. عندما قررت هذه العائلة فيما بينها الهروب مع أحد المهربين مقابل مبلغ مالي وقدره 100 ألف ليرة سورية ليخرجهم بعيداً عن نقاط تواجد التنظيم، وعن حقول الألغام ويكون دليلاً لطريقهم. تفاجأت العائلة في اليوم التالي بأن المجموعات الأمنية اقتحمت منزل ذلك المهرب وألقت القبض عليه ونفذت بحقه حكم الإعدام غرقاً بالمياه حتى الموت أمام أعين الناس.

يقول أبو أحمد: “بعد هذه الحادثة صممت على الخروج والنجاة من هذا الجحيم دون رجعة وترك كل شيء ورائي والمسير في طريق لا أعرف منه سوئ الاتجاه نحو الجنوب دون أي معرفة مسبقة به”. أبو أحمد قرر المغادرة بسيارته الخاصة مع أفراد أسرته المكونة من 6 أفراد وكان هروبهم أشبه بالانتحار. تقول أم أحمد: “حين توجهنا إلى الطريق شاهدنا السيارات المتفحمة نتيجة إنفجار الألغام والكثير من جثث الأشخاص الذين حاولوا الهروب، ولكننا استطعنا اجتياز هذه المنطقة عبر اصرارنا على إكمال مسيرنا

الوجهة المجهولة

قطعت العائلة الهاربة مسافات شاسعة في صحراء مترامية الأطراف من البادية السورية وصولاً إلى مخيم الركبان وسلكوا طرقاً ترابية شديدة الوعورة حيث تملكهم الخوف من المجهول الذي ينتظرهم أن يكون الوصول إلى خط النهاية أم التعثر والسقوط في هذا الطريق. يقول أبو أحمد: “وأنا أقود سيارتي كنت أقبض على قلبي  من الخوف كما الجمرة وكنت أخشى تعطل السيارة في هذه المناطق المقطوعة أو الخوف من ضربات التحالف التي تلاحق السيارات على أنها تابعة للتنظيم وأيضا الخوف من قطاع الطرق وإضاعة الطريق والدخول بمناطق سيطرة النظام”. تضيف أم أحمد وهي تنظر إلى وجه أبو أحمد: “خفنا من نفاذ مياه الشرب والطعام والوقود معنا بقيت هذه العائلة تسير في الصحراء الواسعة مدة 4 أيام بلياليها حتى وصلت إلى مخيم الركبان.

يقوم تنظيم داعش بالتضييق على المرأة بشكل لا يطاق ويعتبرها نصف إنسان ولا حقوق لها حيث إنه يقوم بمراقبتها والتقييد من حريتها عبر جهاز أمني يدعى (الحسبة) وينتشر عناصره بسياراتهم، حيث يفرض هذا الجهاز الأمني عدة قوانين وأنظمة منها أن تلبس المرأة لباساً طويل جداً ومؤلف من ثلاث طبقات فوق بعضها من اللون الأسود، وبسبب هذا اللباس تصبح المرأة غير قادرة على الرؤية جيداً أمامها وحولها وتشعر بضيق التنفس خاصة في فصل الصيف المعروف بشدة حرارته في منطقة دير الزور إضافة لصعوبة في الحركة والمشي. وتلزم (الحسبة) أن يكون مع المرأة رجل محرم من الأقارب مثل الأب، الأخ، الزوج فقط.

تقول أم أحمد: “أثناء مرورنا على أحد حواجز التفتيش ضمن المدينة، رأينا كيف يقوم جهاز الحسبة بمخالفة امرأة والمخالفة هي خروج أحد أعين المرأة لتشاهد أمامها وقاموا عناصره باستدعاء المحرم الذي معها وتم ضربه وثم كتبوا عليه غرامة وقدرها 2 غرام من الذهب”. يضيف أبو أحمد قائلاً: “إن المرأة عندما تصبح أرملة يقوم التنظيم بإرسال نساء تابعات له إلى بيت هذه الأرملة لكي تتزوج من أحد المهاجرين وإنه لا يجوز بقائها هكذا فتتزوج المرأة من أحدهم وبعد فترة قصيرة يموت وتعود أرملة من جديد، وهكذا فتصبح المرأة متزوجة عدة مرات في السنة الواحدة”.

إن وضع الأطفال وخصوصا الذكور لا يخلو من المعاناة والتضييق حيث يتم سلب الأطفال أهم شيء وهو براءتهم ودفعهم ليصبحوا مجرمين في سن مبكرة وتربيتهم تربية عقائدية لا تقبل الجدل أو النقاش ولا تعرف سوى التنفيذ. يكمل أبو أحمد حديثه: “هربنا من بطش النظام ثم من بطش داعش وأكثر الاسباب التي جعلتنا نقوم بهذه الرحلة الجنونية هي خوفي على أطفالي من الانجرار وراء هذا التنظيم الذي يقوم بنشر الأفكار الإرهابية الجهادية عن طريق تعليم الأطفال في (معسكرات أشبال الخلافة) من خلال الأناشيد الجهادية ومشاهدة الأفلام بصالة عرض تبين كيف أطفال يفجرون أنفسهم ويلبسون الأحزمة الناسفة وكيف يتم تقطيع رؤوس الأسرى لديهم “. يختم أبو أحمد وبداخله غصة وحسرة أن أكثر ما دفعه للخروج من دير الزور هو محاولة إبعاد أطفاله عن شبح الإنضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل